Super Princess ™ - مملكة الأميرات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
بنوتة مصرية
بنوتة مصرية
♣ عدد المشاركات : 192
♣ وطني الغالي : مصر
♣ مزاجي : تصميم انعم مصممة
♣ Sms : نحبك يا أحلى مملكة
♣ تم تقيمي : 1033200
♣ تم شكري : 114

اكبر موسوعة بالتعريف بالشعر وفنونة واغراضة من العصر الج Empty اكبر موسوعة بالتعريف بالشعر وفنونة واغراضة من العصر الج

الأحد يناير 16, 2011 8:36 pm
السلام عليكم
وكل عام وانتم بألف خير.
اتقدم بوضع هذه المعلومات الهامة عن الشعر وفنونه واغراضه من العصر الجاهلي الي العصر الحديث.
واتمني ان يستفيد منها كل زوار هذا المنتدي الجميل والذي تحت اشراف الاخ خالد .
وهذه المعلومات مفيدة لكل من يهتم بالشعر كي يعرف تاريخ هذا الفن العريق الذي كان العرب اسياده بلا منازع عبر التاريخ.
وانا بأنتظار ردودكم الطيبة التي ستكون حافزا لنا من اجل الاستمرار وارجو من المشرف خالد التثبيث.
وهذه أهم موضوعاته :
تعريف الشعر
رواية الشعر ورواته
مجموعات الشعر
فكرة المجموعات
المعلقات
المُفضَّـليَّــات
الأَصْمعيَّات
جمهرة أشعار العرب
ديوان الهذليّين
الحماسات
أجناس الشعر
الشعر الغنائي
الشعر القصصي أو الملحمي
الشعر التمثيلي
الشعر التعليمي
ألوان الشعر
شعر الصعاليك
النقائض
المدائح النبوية
الشعر الصوفي
المعارضات الشعرية
الموشحات
الزَّجل
الشعر النَّـبَطي
أغراض الشعر العربي
الوصف
المدح
الهجاء
الرثاء
الفخر
شعر الحماسة
الغزل
الشعر السياسي
الزهد ولواحقه
الحكمة
رثاء المدن والممالك
أنماط الشعر
الشعر التقليدي
عمود الشعر
الشعر الحديث
الشعر الحر
قَصيدةُ النَّثر
موسيقى الشعر
العَرُوض
القافية
الإيقاع
مدارس الشعر العربي الحديث
مدرسة الإحياء
جماعة الديوان
جماعة أبولو
مدرسة المهجر
جماعة مجلة الشِّـعر
الشعر الغربي
أنواعه
عناصره
المرثية أو الإليجا
القصيدة الغنائية

تعريف الشعر
رواية الشعر ورواته
الشِّـعـْـرُ فنُّ العربية الأول، وأكثر فنون القول هيمنة على التاريخ الأدبي عند العرب، خصوصًا في عصورها الأولى؛ لسهولة حفظه وتداوله. وقد شاركته في الأهمية بعض الفنون الأدبية الأخرى كالخطابة. وبعد تطور الكتابة وانتشارها واتصال العرب بغيرهم، دخلت بقية الفنون الأدبية الأخرى، المتمثلة في النثر بأشكاله المختلفة لتساهم جنبا إلى جنب، مع الشعر في تكوين تراث الأدب العربي.
ويُعدُّ الشعر وثيقة يمكن الاعتماد عليها في التعرُّف على أحوال العرب وبيئاتهم وثقافتهم وتاريخهم، ويلخص ذلك قولهم: الشعر ديوان العرب.
حاول النقاد العرب تقديم تصوُّر عن الشعر ومفهومه ولغته وأدائه. وقد ظهرت تلك المحاولة في تمييزه عن غيره من أجناس القول، فبرز الوزن والقافية بوصفهما مميزين أساسيين للشعر عن غيره من فنون القول، لذلك ترى أكثر تعريفاتهم أن الشعر كلام موزون مُقَفَّى. وأهم مايميّز الشعر القديم حرصه على الوزن والقافية وعلى مجيء البيت من صدر وعجز. لكن الناظر في كتبهم يلاحظ أن مفهومهم للشعر يتجاوز الوزن والقافية إلى جوانب أخرى، وذلك من خلال تعرفهم على الشعر في مقابلة الفنون الأخرى، فيصبح مثلها؛ مهمته إيجاد الأشكال الجميلة وإن اختلف عنها في الأداة.
ومن ثم ظهر الاهتمام بقضايا الشعر ولغته، فظهرت الكتب في ضبط أوزانه وقوافيه، كما ظهرت دراسات عن الأشكال البلاغية التي يعتمدها الشعراء في إبداع نصوصهم، مثل: الاستعارة والتشبيه والكناية وصنوف البديع.
وكما ظهرت كتب تقدم وصايا للشعراء تعينهم على إنتاج نصوصهم، وتُبَصِّرُهم بأدوات الشعر وطرق الإحسان فيه، ظهرت كتب أخرى في نقد الشعر وتمييز جيده من رديئه. كما اهتمت كتب أخرى بجمعه وتدوينه وتصنيفه في مجموعات حسب أغراضه وموضوعاته. وقد جعلوا الشعر حافلاً بوظيفتي الإمتاع والنفع، فهو يطرب ويشجي من جهة، ويربي ويهذب ويثبِّت القيم، ويدعو إلى الأخلاق الكريمة وينفر من أضدادها من جهة أخرى.
وتتراوح أغراض الشعر بين مديح وهجاء وفخر ورثاء وغزل ووصف واعتذار وتهنئة وتعزية، ثم أضيفت إلى ذلك موضوعات جديدة جاءت نتيجة تغير الحياة العربية مثل الزهد والمجون، بل تغيرت معالجة الموضوعات القديمة كما ظهر عند أبي نواس وغيره من شعراء العصر العباسي.
وعلى الرغم من هذا الحرص على شكل البيت الشعري، فإن تراث القصيدة العربية عرف من الأشكال ما سمي بالمسمَّطات والمخمَّسات والمربَّعات. كما عرفت الأندلس شكل الموشحة التي كانت خروجًا على نظام القصيدة في الأوزان والقوافي. انظر: الجزء الخاص بالموشحات في هذه المقالة.
وفي العصر الحديث، عرف الشعر ألوانًا جديدة من الأشكال الشعرية، منها الشعر المُطلق أو المرسل الذي يتحرر من القافية الواحدة ويحتفظ بالإيقاع دون الوزن. وكذلك الشعر الحر، وهو الشعر الذي يلتزم وحدة التفعيلة دون البحر أي وحدة الإيقاع. وسُمّي بشعر التفعيلة. وأما اللون الذي لا يلتزم بوزن أو قافية فقد عرف بالشعر المنثور. انظر: الجزء الخاص بقصيدة النثر، والشعر الحر، والشعر المرسل في هذه المقالة.
وكما اختلف الشكل حديثًا اختلف المضمون كذلك، وتحولت التجارب الشعرية الحديثة إلى الدلالات الاجتماعية والنفسية والرمزية التي تكامل فيها الشكل والمضمون معًا.


رواية الشعر ورواته
كان العرب في الجاهلية أُمّـةً أُمِّـيَّـةً تغلب عليها المشافهة وتقل فيها الكتابة، ولهذا السبب لم يكن الشعراء الجاهليون يدونون أشعارهم، وإنما كان رواتهم، وهم عادة من ناشئة الشعراء، يتولون مهمة حفظ ذلك الشعر وإشاعته بين الناس. وهؤلاء الرواة الذين وصفناهم بأنهم من ناشئة الشعراء قد قويت قرائحهم بعد ذلك، فأصبحوا أو أصبح بعضهم من الشعراء المشاهير. فقد روت المصادر أن زهيرًا ابن أبي سُلمى كان راوية لأوس بن حجر، وروى عن زهير ابنه كعب والحُطَيئة، كما روى شعر الحطيئة هدبةُ بن خشرم، ثم روى جميل بن معمر شعر هدبة بن خشرم، وروى كُثَيِّر عزة شِعْرَ جميل وهكذا دواليك.
وعندما جاء الإسلام شُغل العرب عن رواية الشعر فترة من الزمان، ولكنهم بعد اتساع الفتوحات الإسلامية، واستقرارهم في الأمصار عادوا إلى رواية الشعر ومُدارسته، وهنا نجد فئة من الرواة نذرت نفسها لرواية هذا الشعر وجمْعه ومحاولة تنقيته من كل ما هو زائف.
ثمَّ نشأت طائفة أخرى من الرواة لم يكونوا ممن يحسنون نظم الشعر، فهم لا يروونه من أجل أن يتعلموا طريقته لكي يصبحوا شعراء، وإنما يروونه بقصد إذاعته بين الناس. فقد روت المصادر الأدبية أنه كان لجرير والفرزدق عدة رواة يلزمونهما ويأخذون عنهما شعرهما. ولم يكن هذا الأمر وقفًا على جرير والفرزدق فحسب بل إن غيرهما من الشعراء كان لهم رواة وتلاميذ.
وبعد ازدهار الحياة العلمية والثقافية في مدينتي البصرة والكوفة أصبحت هاتان المدينتان قبلة لطلاب المعرفة، وصارتا تتنافسان في استقطاب العلماء والأدباء والشعراء، فازدهرت فيهما رواية الشعر ودراسته بشكل لم يَسبق له نظير. وبرز في كل مدينة من هاتين المدينتين أعلام مشاهير، جمعوا أشعار الجاهليين والإسلاميين، وكانوا يحرصون على أخذ هذا الشعر من الرواة مشافهة، ولم يكونوا يعولون على الأخذ من الكتب أو الصحف، ولا يثقون بمن يعتمد على ذلك. وقد عُرف رواة البصرة بالتشدد في الرواية والتدقيق فيها، وكانت معاييرهم أكثر دقة من معايير رواة الكوفة الذين امتازوا بالتوسع في الرواية والتسامح في بعض جوانبها.
ومن أشهر رواة الشعر بالبصرة أبو عمرو بن العلاء، وكان ثقة أمينًا، وهو أحد القراء السبعة الذين أخذت عنهم تلاوة القرآن الكريم، وقد وُصف بأنه ¸أعلم الناس بالغريب، والعربية وبالقرآن، والشعر وأيام العرب وأيام الناس·. انظر: أبو عمرو بن العلاء.
ومن أشهر رواة الكوفة حماد الراوية، وكان واسع الرواية قوي الحفظ عالمًا بأشعار العرب وأخبارها، ولكنه لم يكن ثقة، بل كان كما يقول ابن سلام الجمحي: "ينحل شعرَ الرجل غيره، وينحله غير شعره، ويزيد في الأشعار".
ومن مشاهير رواة البصرة خلف الأحمر، وكان في معرفته بالشعر وأخبار العرب لا يقل عن حماد الراوية. ومن رواة البصرة الثقات أيضًا عبدالملك بن قريب الأصمعي، وهو من أعلم الناس بأشعار الجاهلية وأخبارها، وقد اختار من أشعار العرب مجموعة شعرية عرفت بالأصمعيات. وهي مشهورة ومتداولة. انظر: الجزء الخاص بالأصمعيات في هذه المقالة. وقد رويت عنه دواوين كثيرة أشهرها دواوين: امرئ القيس والنابغة وزهير وطرفة وعنترة وعلقمة. انظر: الأصمعي. ومن رواة البصرة أيضًا أبو سعيد السكري، وله الفضل الأكبر في جمع كثير من دواوين الشعراء الجاهليين.
كما يعدُ المفضل بن محمد الضبِّي من أبرز رواة الكوفة، وكان عالمًا بأشعار الجاهلية، وأخبارها وأيامها، وأنساب العرب، وأصولها. وقد اختار مجموعة من أشعار العرب عُرفت بالمفضليات. وهي مطبوعة ومتداولة. انظر: الجزء الخاص بالمفضليات في هذه المقالة. ومن الرواة الكوفيين أيضًا أبو عمرو الشيباني، وابن الأعرابي، وابن السكّيت، وثعلب، وغيرهم. ولكل راوية من هؤلاء الرواة ترجمة في هذه الموسوعة.

مجموعات الشعر
فكرة المجموعات
المعلقات
المُفضَّـليَّــات
الأَصْمعيَّات
جمهرة أشعار العرب
ديوان الهذليّين
الحماسات
الشعر ديوان العرب. وكان اهتمامهم بالشّاعر، قديمًا، أكثر من اهتمامهم بالكاتب، لحاجتهم إلى الشاعر. وقد عبّروا عن هذا الحرص على الشعر والاهتمام بالشاعر في عنايتهم بما اصطلح على تسميته بمجموعات الشعر.
وهذه المجموعات أقرب إلى ديوان الشعر بما تحويه من أشعار لعدد من الشعراء. وترتبط نشأتها بحركة رواية الشعر في عصر التدوين، في القرن الهجري الأوّل. ثم أخذ الرواة، بعد ذلك، يتناقلون هذا التراث جيلاً بعد جيل.
ومن أشهر هؤلاء الرواة أبو عمرو بن العلاء والأصمعي والمفضّل الضبي وخلف الأحمر وحماد الراوية وأبو زيد الأنصاري وابن سلاّم الجمحي وأبو عمرو الشيباني وغيرهم. انظر: الجزء الخاص برواية الشعر ورواته في هذه المقالة.
فكرة المجموعات. تختلف هذه المجموعات تبعًا لفكرة كل مجموعة منها، فبعضها يرمي إلى إثبات عدد من القصائد المطولة المشهورة وهي المعلقات. وبعضها قد يكتفي بالأبيات الجيدة المشهورة يختارها من جملة القصيدة وهي المختارات، ومنها ماوقف عمله على الشعر الجاهلي لا يتعداه، على حين زاوج بعضها بين الجيّد من شعر الجاهلية والإسلام.
وتقدم المجموعات فائدة أكبر من فائدة الدواوين؛ لأن الأخيرة أضيق مجالاً لوقوفها عند شاعر بعينه لاتتجاوزه، في حين نجد المجموعة أوسع مجالاً لتنوع الموضوعات وتعدّد الشعراء. فهي أقدر على تصوير ذوق العصر بإعطائها خلفية أوسع عن الحياة الاجتماعية، وإن كان ذوق مصنّفها لا يغيب عنها في كل الأحوال.

وأشهر هذه المجموعات:
المعلقات. مصطلح أدبي يطلق على مجموعة من القصائد المختارة لأشهر شعراء الجاهلية، تمتاز بطول نفَسها الشعري وجزالة ألفاظها وثراء معانيها وتنوع فنونها وشخصية ناظميها.
قام باختيارها وجمعها راوية الكوفة المشهور حماد الراوية (ت نحو 156هـ، 772م).
واسم المعلقات أكثر أسمائها دلالة عليها. وهناك أسماء أخرى أطلقها الرواة والباحثون على هذه المجموعة من قصائد الشعر الجاهلي، إلا أنها أقل ذيوعًا وجريانًا على الألسنة من لفظ المعلقات، ومن هذه التسميات:
السبع الطوال. وهي وصف لتلك القصائد بأظهر صفاتها وهو الطول.
السُّموط. تشبيهًا لها بالقلائد والعقود التي تعلقها المرأة على جيدها للزينة.
المذَهَّبات. لكتابتها بالذهب أو بمائه.
القصائد السبع المشهورات. علَّل النحاس أحمد بن محمد (ت 338هـ،950م) هذه التسمية بقوله: لما رأى حماد الراوية زهد الناس في حفظ الشعر، جمع هذه السبع وحضهم عليها، وقال لهم: هذه المشهورات، فسُميت القصائد السبع المشهورات لهذا.
السبع الطوال الجاهليات. أطلق ابن الأنباري محمد بن القاسم (ت 328هـ ، 939م) هذا الاسم على شرحه لهذه القصائد.
القصائد السبع أو القصائد العشر. الاسم الأوّل هو عنوان شرح الزوزني الحسين بن أحمد (ت 486هـ، 1093م)، أما التبريزي يحيى بن علي (ت 502هـ، 1109م)، فقد عنْون شرحه لهذه القصائد بـ شرح القصائد العشر.
وقد أشار ابن رشيق في كتابه العمدة إلى بعض هذه المصطلحات، فقال: "وقال محمد بن أبي الخطاب في كتابه المسمًّى بجمهرة أشعار العرب: إن أبا عبيدة قال: أصحاب السبع التي تسمى السُّمُط: امرؤ القيس وزهير والنابغة، والأعشى ولبيد وعمرو بن كلثوم وطرفة. قال: وقال المفضل: "من زعم أن في السبع التي تسمى السمط لأحد غير هؤلاء، فقد أبطل"، فأسقط من أصحاب المعلقات عنترة، والحارث بن حلِّزة، وأثبت الأعشى والنابغة.
ويُقال: إنها قد سميت بالمذهّبات، لأنها اختيرت من سائر الشعر فكُتبت في القباطي بماء الذهب، وعُلقت على أستار الكعبة، فلذلك يقال: مُذهبة فلان، إذا كانت أجود شعره. ذكر ذلك غير واحد من العلماء. وقيل: بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة الشاعر يقول: علِّقوا لنا هذه، لتكون في خزانته.
وكما اختلفوا في تسميتها، اختلفوا في عددها وأسماء شعرائها. لكن الذي اتفق عليه الرواة والشُّرَّاح أنها سبع، فابن الأنباري، والزوزني اكتفيا بشرح سبع منها هي:

1ـ معلقة امرئِ القيس ومطلعها:
قفانَبْكِ مِنْ ذِكْرى حبيبٍ ومنزلٍ بسِقط اللِّوى بين الدَّخول فحوْمَل

2ـ ومعلقة طرفة بن العبد ومطلعها:
لخولة أطلالٌ بِبُرقة ثهمد تلـوح كباقي الوشم في ظاهر اليد

3ـ معلقة زهير بن أبي سُلْمى ومطلعها:
أَمِنْ أمِّ أًَوْفَى دمْنةٌ لم تَكَـلَّم بَحْــومَانـــة الدُّرّاج فالمتَـثَـلَّــــم

4ـ ومعلقة عنترة بن شداد ومطلعها:
هل غادَرَ الشُّعراء من مُتَردَّم أم هَلْ عرفْـتَ الـدار بعـد توهــم ؟

5ـ ومعلقة عمرو بن كُلثوم ومطلعها:
ألا هبيِّ، بصحْنِك فاصْبحينا ولا تُبـــقي خُمـــور الأنْدَرِينــــا

6ـ ومعلقة الحارث بن حِلِّزة ومطلعها:
آذنتْنـــا ببينـهــــا أسْمـــــاءُ رُبَّ ثــــاوٍ يُمَـــلُّ منـه الثَّـــواُء

7ـ ومعلقة لبيد بن ربيعة ومطلعها:
عَفَتْ الدِّيارُ مَحَلُّها فَمُقامُهَا بمنى تَأبَّـــد غولُهـــا فِرَجامُهَــــا

أما أحمد بن محمد النحاس، أحد شُرَّاح المعلقات، فقد أنهى شرحه لقصيدة عمرو بن كلثوم وهي القصيدة السابعة عنده بقوله: "فهذه آخر السبع المشهورات على مارأيت عند أكثر أهل اللغة... وقد رأيت من يضيف إلى السبع قصيدة الأعشى التي مطلعها:
وَدِّع هريرةَ إن الركب مُرْتحِلُ وهل تُطِيقُ وداعًا أيُّها الرَّجُـــــلُ؟

وقصيدة النابغة التي مطلعها :
يادار مَيَّة بالعلياء فالسندِ أقوتْ، وطال عليها سالِفُ الأبد

وعلل سبب إضافة هاتين القصيدتين إلى القصائد السبع بقوله: "رأينا أكثر أهل اللغة تذهب إلى أن أشعر أهل الجاهلية امرؤ القيس وزهير والنابغة والأعشى، إلا أبا عبيدة فإنه قال: أشعر الجاهلية ثلاثة: امرؤ القيس وزهير والنابغة فحدانا قول أكثر أهل اللغة إلى إملاء قصيدة الأعشى وقصيدة النابغة لتقديمهم إياهما وإن لم تكونا من القصائد السبع عند أكثرهم".
أما التبريزي فقد أنهى شرحه لقصيدة الحارث بن حِلِّزة وهي القصيدة السابعة عنده بقوله: "هذه آخر القصائد السبع، وما بعدها المزيد عليها". فذكر قصيدتي الأعشى والنابغة السابقتين وأضاف إليهما قصيدة عَبيد بن الأبرص التي مطلعها:
أقفر من أهله ملحُوبُ فالقُطَّبيَّات، فالذَّنُــوب

وهي القصيدة التي من أشهر أبياتها قوله:
فكل ذي نعمة مخلوس وكل ذي أمل مكذوب
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
من يسأل الناس يحرموه وسائـل الله لا يخيــب

وكما اختلف الرواة في عدد القصائد، اختلفوا أيضًا في عدد الأبيات وترتيبها. وفي رواية بعض الألفاظ. وهو اختلاف مألوف في نصوص الكثير من الشعر الجاهلي بسبب وصوله إلى عصر التدوين عن طريق الرواية الشفوية وبسبب تعدد الرواة واختلاف مصادرهم.
وإن كان مصطلح المعلقات أو المسمَّطات أو المذهبات يعني لونًا من الاستحسان لتلك القصائد وتمييزها عن سائر شعر الشاعر، فكذلك الحال بالنسبة للقصائد الحوليات إذ إن مصطلح الحوليات عُني به المدح والإشادة بجهد الشاعر حين يستغرق نظمه القصيدة وتنقيحها حولا كاملاً قبل أن يخرجها للناس ويذيعها بينهم. وكان الشعراء الذين يفضِّلون هذه الطريقة هم ممن يحرصون على مكانتهم الشعرية أكثر من غيرهم.
وتسمى قصائدهم أحيانًا، بالمقلدات والمنقحات والمحْكَمَات. وقد عُرف زهير بن أبي سلمى بأنه من أصحاب الحوليات. روى ابن جني أن زهيرًا عمل سبع قصائد في سبع سنين، وأنها كانت تسمى حوليات زهير. وروى ابن قتيبة أن زهيرًا نفسه كان يسمي قصائده الكبرى الحوليات. وقد قيل: إنه كان يعمل القصيدة في أربعة أشهر، وينقحها في أربعة أشهر، ثم يعرضها في أربعة أشهر، ثم بعد ذلك يخرجها إلى الناس.
ويرى ابن رشيق أن فترة نظم القصائد لم تكن تستغرق من زهير هذه المدة الطويلة، فهو في رأيه ينظم القصيدة في ساعة، أو ليلة، ولكنه يؤخرها عنده من أجل التنقيح والتهذيب خشية النقد. وهذا الشعر المنقَّح يفضله بعض الناس على غيره من الشعر لخلوِّه من المآخذ، بينما ينظر إليه آخرون على أنه شعر متكلَّف، لم يأت عن إسماح وطبع. فالحُطيئة، وهو تلميذ زهير وشريكه في الصنعة، يقول: "خير الشعر الحولي المنقَّح المحكَّك". أما الأصمعي فإنه يقول: "زهير بن أبي سلمى والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، وكذلك كل من جَوَّد في جميع شعره، ووقف عند كل بيت قاله، وأعاد فيه النظر حتى يخرج أبيات القصيدة كلها مستوية في الجودة". ويصف ابن قتيبة الشاعر الذي ينقح شعره بأنه شاعر متكلِّف، ويقول عن الشعر المتكلَّف: "إنه وإن كان جيدًا محكمًا فليس به خفاء على ذوي العلم لتبيُّنهم فيه ما نزل بصاحبه من طول التفكر، وشدة العناء، ورشح الجبين".
ولم يكن التنقيح والتهذيب وقفًا على زهير والحطيئة، بل إن هناك شعراء آخرين في الجاهلية والإسلام كانوا يتَأَنَّون، ويعيدون النظر في أشعارهم. ومن بين من عُرف بذلك من شعراء الإسلام مروان بن أبي حفصة، وذو الرُّمَّة، ولكننا لا نعرف شاعرًا آخر غير زهير تمكث القصيدة عنده حولاً كاملا،ً بحيث يمكن أن يعد من شعراء الحوليات.

المُفضَّـليَّــات. من أقدم ماوصل إلينا من اختيار الشعر. جمعها وألَّفها المفضّل بن محمد الضبيّ (ت 168هـ، 784م)، العلاّمة الكوفي راوية الأخبار والآداب وأيّام العرب وأحد القُرّاء البارزين.

عمد المفضّل إلى الجيِّد من الشعر القديم فاختار منه مجموعة اختلف الناس في سبب تأليفها، فقيل: "كان ذلك بطلب من الخليفة المنصور" وقيل: " ألَّف ذلك الاختيار للمهدي". والرّوايات في ذلك مختلفة؛ فقد روى أبو الفرج الأصفهاني عن المفضّل نفسه أنه قال: "كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن متواريًا عندي، فكنت أخرج وأتركه. فقال لي: إنك إذا خرجت ضاق صدري فأخرج إليّ شيئًا من كتبك أتفرَّج به. فأخرجت إليه كتبًا من الشعر فاختار منها السبعين قصيدة التي صدَّرت بها اختيار الشعراء، ثمّ أتممت عليها باقي الكتاب".

وخلاصة كلّ هذه الروايات أن المفضّل هو الذي اختار القدر الأوفى من الشعر القديم الذي حوته هذه المجموعة الرائدة.

أما تسميتها بالمفضّليات فالغالب على الظّن أنها لم تصدر عن صاحبها، المفضّل، وربّما نُسبت إليه، ثم اشتهرت بذلك.

وتتبوأ المفضّليات مكانة مرموقة بين مجموعات الشعر القديم. فبالإضافة إلى قيمتها التاريخية وإبقائها على جانب مهم من الشعر الجاهلي، وحفظه من الضّياع، وأنّها أقدم مجموعات الشعر، فهي تمتاز أيضًا بأن القصائد التي اختارها المفضّل قد أثبتها كاملة غير منقوصة، يضاف إلى كل ذلك اشتمالها على طائفة صالحة من أشعار المقلِّين من الشعراء.

وشعراء المفضّليات أكثرهم من الجاهليين وفيهم قلّة من المخضرمين والإسلاميين، وعددهم 66 شاعرًا، منهم تأبّط شرًّا والشَّنْفَرَى الأزدي، والمرقّشان: الأكبر والأصغر، والمثقّب العبدي وأبو ذؤيب الهذلي، ومتمّم بن نويرة، وبشر بن أبي خازم، وسلامة بن جندل وغيرهم.

أما القصائد المختارة في هذه المجموعة فقد تراوحت بين 128 و 130 قصيدة حسب الروايات، إلاّ أن الرواية

المعتمدة والتي عليها الناس هي رواية ابن الأعرابي عن المفضّل. ومجموع أبيات المفضّليات نحو2,700 بيت.

وقد حظيت المفضّليات بعناية القدماء، فشرحوها شروحًا وافيةً مفيدةًَ، وفي مقدمتها شرح الأنباري (ت305هـ، 918م). وابن النّحاس (ت 338هـ، 949م). والمرزوقي (ت 241هـ،855م). والتبريزي (ت502هـ، 1108م). أما في العصر الحديث فقد لقيت أيضًا اهتمام العلماء عربًا ومستشرقين، فحقّقوها وضبطوها ونشروها في طبعات عديدة.


الأَصْمعيَّات. مجموعة مهمة من مجموعات الشعر العربي القديم، جمعها وألفها أبو سعيد، عبدالملك بن قُريب، الأصمعي (ت 217هـ، 832م). وهو عالم في الطليعة من العلماء الأقدمين. كان قويّ الذاكرة غزير المحفوظ، متمكنًا، عالمًا بأنساب العرب وأيامها وأخبارها وأشعارها. وهو بحر في اللغة لايعرف مثله فيها وفي كثرة الرواية.
والأصمعيات هي المجموعة التي تلي المفضليات في أهميتها وقيمتها الأدبية. ويعدها العلماء متممة للمفضليات. ولعلّ تلاميذ الأصمعي أو المتأخرين هم الذين أطلقوا عليها الأصمعيات، تمييزًا لها وفرقًا بينها وبين اختيار المفضّل الضبّي. ورغم ذلك، فإن الاختلاط والتداخل قد وقع بين هذين المجموعين حتى ذكر بعض الناس قصائد من المفضليات على أنها أصمعيات. بل ذكر بروكلمان أن للأصمعيات أربع مخطوطات إحداها مختار مختلف من المفضليات والأصمعيات. ويبدو أن أمر الاختلاط قديم، أو أن النسخ التي أطلع عليها الأقدمون تختلف عمّا بأيدينا؛ لأن كثيرين منهم كابن قتيبة وأبي عبيدة قد ذكروا قصائد وجعلوها من اختيار الأصمعي، إلاّ أنها غير موجودة في أصمعيّاته المطبوعة.
وعلى كل حال، فإن المجموعة التي اشتملت عليها الأصمعيات هي من جيّد الشعر؛ لأن الأصمعي معروف بغزارة الحفظ وجودة الاختيار. وقد اقتصرت هذه المجموعة على الشعر القديم الجاهلي، وشيء من شعر المخضرمين والإسلاميين. واختار فيها لكثير من الشعراء قصائد غير التي اختارها لهم صاحب المفضليات. وممن اختار لهم الأصمعي: دريد بن الصمّة وعروة بن الورد وعمرو بن معديكرب ومهلهل بن ربيعة والمتلمّس ومتمّم بن نويرة وغيرهم.
وبلغ عدد الشعراء الذين اختار من شعرهم 72 شاعرًا وكانت قصائدهم 92 ومجموع أبياتها 1,439 بيتًا.
نشرت الأصمعيات أول مرة بعناية المستشرق وليم بن الورد في ليبزج بألمانيا سنة 1902م، ثم نشرت في طبعة محققة بعناية أحمد محمد شاكر وعبدالسلام هارون.

جمهرة أشعار العرب. مجموعة من المختارات الشعرية تُنسب إلى أبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي. وهو عالم من علماء العربية يحيط بحياته الغموض، ويرجّح أنه من علماء القرن الثالث الهجري.
وقد شاعت التسمية بالجمهرة خلال القرن الثالث الهجري وما بعده. فمن ذلك جمهرة ابن دريد في اللغة، وجمهرة أنساب العرب لأبي الفرج الأصفهاني وجمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري، وجمهرة الأنساب لابن حزم.
ويمتاز كتاب جمهرة أشعار العرب عن الكتب المؤلفة في موضوعه بمقدمته الطويلة التي كشفت عن غرض الكاتب وأبانت منهجه، وهذا أمر لم يتوافر في المفضليات والأصمعيات. كما امتاز الكتاب بتبويبه المحكم الدقيق.
وقد جعل المؤلف مجموعه المختار من شعر الأقدمين ووضعه في سبعة أقسام، في كل قسم سبع قصائد لسبعة من الشعراء. وهذه الأقسام هي: المعلقات والمجمهرات والمنتَقَيَات والمُذَهَّبات والمراثي والمشُوبات والملحمات. ويبدو من هذه الأسماء أنها صفات للقصائد المختارة؛ فالمعلقات هي التي كتُبت وعُلقت على أستار الكعبة، والمجمهرات مشبهة بجمهور الرَّمل في انتظامها ومتانة سبكها، والملحمات هي القصائد التي التحمت أجزاؤها، والمذهبات والمنتقيات فيها دليل جودة الشعر، والمشوبات يعنى بها أن أصحابها من المخضرمين الذين شابهم الكفر قبل إسلامهم. أما المراثي فمعروفة.
وهذا التقسيم وإن لم يكن محكمًا كل الإحكام إلا أنه كان دليلاً على نزعة نقدية مبكرة تمثلت في فكرة الطبقات التي شاعت في جيل أبي زيد وما بعده.
وتبقى جمهرة أشعار العرب مجموعة قيّمة من الشعر المختار تعدُّ مكملة للمفضليات والأصمعيات. وتزداد قيمتها بانفرادها بقصائد لم ترد في مصدر سوى الجمهرة هذه.
نشرت هذه المجموعة عدة نشرات، آخرها طبعة 1967م وهي محققة ومضبوطة.
ديوان الهذليّين. كانت القبيلة في العصر الجاهلي المظهر البارز لحياة العرب الاجتماعية، وكانت شخصية هذه القبيلة تعتمد على رفعة النسب وعراقة الأصل، وتتجلّى أمجادها في صفات الكرم والوقائع، لذلك كانت القبيلة تحرص على أن يكون لها شعراؤها الذين يصونون مكانتها بالدفاع عنها ضد المعتدين، وينشرون مناقبها بين القبائل.
من هنا كانت عناية الرواة والعلماء الأوائل بأشعار القبائل، فدوّنوها وصنَّفوا فيها المجموعات الشعرية المعروفة، ورووا دواوين شعرائها، وكان على رأس هؤلاء الرّواة أبو عمرو الشيباني الذي اهتمّ بهذا النّوع من التأليف فجمع شعر ما يزيد على ثمانين قبيلة، وكذلك فعل الأصمعي وابن الأعرابي وغيرهم من العلماء والرواة.

وديوان الهذليين صَنَعَه أبو سعيد، الحسن بن الحسين، السُّكّري (212-275هـ، 827-888م). وهو عالم في اللُّغة والنحو ورواية الشعر، اشتغل برواية دواوين الشعراء وأشعار القبائل.
ويعدُّ هذا الديوان من الدواوين الفريدة التي وصلت إلينا، ولو وصلت إلينا بقية الدواوين لكانت ثروة علمية قيّمة، تكشف عن خصائص اجتماعية ولغوية مهمة. وترجع أهمية هذا الديوان إلى أن قبيلة هذيل كانت من قبائل الحجاز المعروفة بفصاحتها وسلامة لغتها من شوائب العجمة؛ لأنها تعيش في وسط الجزيرة العربية، بعيدة عن مناطق الاختلاط بغير العرب، لذلك كان شعر هذه القبيلة موضع اهتمام العلماء والرواة كالشَّيباني والأصمعي، بل اهتم به جلّة الأئمة كالإمام الشافعي.
ويمثل شعر هذه القبيلة ثروة ضخمة في الاستشهاد به في اللّغة والنحو والقرآن والحديث. وقد كان العلماء في جمعهم اللغة والحفاظ على سلامتها، لا يأخذون عن عامة قبائل العرب، بل كان أخذهم عن قريش وقيس وأسد وتميم وهذيل وبعض كنانة وطيِّئ. وتأتي قبيلة هذيل في الطليعة لصلتها بقريش في النسب والمصاهرة والجوار.
يضم هذا الديوان قرابة تسعة وعشرين شاعرًا من شعراء هذه القبيلة، وهم سبعة وعشرون شاعرًا في بعض أصول الديوان المخطوطة. وهذا العدد من الشعراء يتفاوت في العصور والشَّاعريّة وغزارة الإنتاج، غير أنّ أشهرهم وأشعرهم ألبتَّة أبو ذؤيب، خويلد بن خالد الهذلي، وهو أكثرهم إنتاجًا. وتبدأ هذه المجموعة بأشهر قصائد أبي ذؤيب وهي العينية التي نظمها في رثاء أولاده.
وكان هذا الديوان محلّ عناية العلماء منذ القدم. وقد عكف السُّكّريُّ على شرحه بعد أن أكمل جمع قصائده، غير أن هذا الشرح ضاع فيما ضاع ولم تصل إلينا منه إلاّ قطوف يسيرة. كذلك كان هذا الديوان موضع عناية المتأخرين والمحدثين، فقد نشر عدة مرات، أفضلها حتى الآن طبعة دار العروبة.

الحماسات. اشتهرت في التراث العربي حماسات كثيرة. وهي اختيارات من الشعر العربي قام بها لفيف من العلماء. اشتهر منها الحماستان: الكبرى والصغرى، لأبي تمام (ت231هـ، 845م) وحماسة البحتري (ت284هـ، 897م) وحماسة ابن الشجري (ت 542، 1147م) والحماسة البصرية للبصري (659هـ، 1260م)، وفي العصر الحديث مختارات البارودي (ت 1322هـ، 1904م).
الحماسة الكبرى. كان أبو تمام، حبيب بن أوس الطائي، رائد التأليف في موضوع الحماسات. فهو أول من نسبت إليه الحماسة. ويبدو أنه صاحب هذه التسمية، وإن كان في ذلك خلاف. وتأتي أهمية حماسة أبي تمام في اختلاف ذوق مصنِّفها عن مصنفي الاختيارات الأخرى، لأن الرجل شاعر لطيف الحسِّ حسن الثقافة حافظ لقديم الشعر، وخليق بمثله أن يكون قادرًا على التمييز، بصيرًا بجيد الأشعار.
اتسمت الحماسة بأنها اختيار عمد فيه أبو تمام إلى جيد الأبيات فانتقاها، مخالفًا بذلك طريقة السابقين كالمفضل والأصمعي اللذين كانا يختاران القصيدة برُمّتها. وقد أباح أبو تمام لنفسه حرية إصلاح مايراه قلقًا من الألفاظ كما ذكر بعض شراحها كالمرزوقي؛ وهذا منهج لايرضاه النقّاد، ولعلّه سار في ذلك على ماذكره الأصمعي من أن الرواة قديما كانوا يصلحون أشعار الشعراء.
وامتازت حماسة أبي تمام، بالإضافة إلى جمع أشعار القدماء، بتبويبها حيث وقعت في عشرة أبواب هي: باب الحماسة، والمراثي، والأدب، والنسيب، والهجاء، والأضياف، والمديح والصفات، والسِّير، والملح، وباب مذمة النساء.
والنقّاد القدماء مجمعون على إطراء الحماسة، قال المرزوقي: "وقد وقع الإجماع من النّقاد على أنه لم يتفق في اختيار المقطعات أنقى مما جمعه أبو تمّام. وروى التبريزي قول بعضهم": إن أبا تمام في اختياره الحماسة أشعر منه في شعره.
وقد كثر شراح حماسة أبي تمام حتى جاوزوا العشرين شارحًا أشهرهم المرزوقي والتبريزي والصولي وابن جني والآمدي والعسكري والشنتمري والمعرّي والعكْبري. ولعلّ أشهر هذه الشروح شرح المرزوقي وشرح التبريزي وقد طبعا عدة طبعات.
الحماسة الصغرى. وهي أيضًا لأبي تمام، وقد عرفت بالوحشيات أو هكذا سماها صاحبها. وقد جاءت تسميتها من صفة أشعارها التي أشبهت الوحوش في كونها شوارد لاتُعرف وأغلبها للمقلين أو المغمورين من الشّعراء.
وهي على غرار الحماسة الكبرى، لم تختلف عنها في تبويبها إلاّ في إحلاله باب المشيب مكان باب السِّير. وهذه الحماسة دون الكبرى في شهرتها واهتمام العلماء بها. وهي مطبوعة محققة منذ 1963م.
حماسة البحتري. يبدو أن شهرة حماسة أبي تمام أغرت البحتري، أبا عبادة، الوليد بن عبيد، بأن ينسج على منوال أستاذه، حيث كان البحتري هو المقلّد الأول لأبي تمام في هذا التأليف. وقد جاءت بعده جماعة أعجبتهم الفكرة فحذوا حذو الطّائيين مثل الخالديَّين وابن الشجري وابن فارس وغيرهم.
وكان البحتري قد اختار أشعار حماسته للفتح بن خاقان، وزير المتوكّل. ولم يختلف اختياره عن اختيار أبي تمام، وسائر من صنفوا في هذا الموضوع، إلا بزيادته بعض الشعراء المحدثين مثل بشار بن بُرد وصالح بن عبدالقدوس.
أمّا في التبويب فقد كان الفرق واضحًا حيث جعل البحتري حماسته في أبواب تفصيلية بلغت 147بابًا، تفرّعت عن الموضوعات العامة والأغراض الكبرى. وقد تكاثرت مقطوعات الحماسة حتى بلغت 1,454 مقطوعة قد تطول وقد تقصر حتى تكون بيتًا أو بيتين. وكثر، تبعًا لذلك، عدد شعرائها حتى بلغوا 600شاعر.
ولم يعمد أحد من الأقدمين إلى شرح حماسة البحتري. وقد طبعت أكثر من مرة.
حماسة ابن الشجري. ابن الشجري هو هبة الله بن علي، من علماء القرن السادس الهجري، اشتهر بأماليه وبكتاب الحماسة الذي نحا فيه منحى أبي تمام والبحتري ولم يختلف منهجه عن منهجهما كثيرًا.
والأشعار المختارة في حماسة ابن الشجري مقطعات لاتبلغ حدود القصائد وهي في غزارة مادتها لاتبلغ غزارة مادة الحماستين السابقتين. وقد بلغ عدد شعرائها 365 شاعرًا عدا المجهولين الذين لم يسمهم، وبلغت مقطعاتها 944 مقطّعة. وهي تشارك سابقاتها في التبويب والأغراض واختيار الشعر القديم، وتهتم أكثر منها بشعر المولّدين مثل بشّار وأبي نواس وأبي العتاهية وأبي تمام والبحتري وأضرابهم. ولم يكتف بذلك بل أفرد للغزل في شعر المحدثين بابًا.
وقد طبعت حماسة ابن الشجري أكثر من مرة، وطبعتها الأخيرة جيدة مفهرسة.
ولابن الشجري أيضًا مختارات تختلف عن حماسته من ثلاث جهات؛ الأولى أنه قصرها على أشعار الجاهليين، والثانية أن القصائد التي أوردها جاءت تامة غير مجتزأة، بلغت خمسين قصيدة لأربعة عشر شاعرًا. أما الجهة الثالثة فإن هذه المجموعة لم تقتصر على إيراد الشعر وحده بل كانت تتقدم الأشعار مقدمات نثرية تنطوي على أخبار قائليها، وتلقي ضوءًا على مناسباتها.
وقد طبعت هذه المختارات أكثر من مرة.
الحماسة البصرية. من مصنفات القرن السابع الهجري، جمعها أبو الحسن، صدر الدين بن الحسن البصري، وأطلق عليها لقبه لتعرف به وتتميز عن غيرها.
وليس في الحماسة البصرية جديد من حيث المادة والتبويب. وقد بلغت أبوابها 12 بابًا احتوت على 6 آلاف بيت لنحو 500 شاعر تقدمتها خطبة شاملة أبانت فضيلة الاختيار. نشرت في الهند 1964م.
هذه أشهر الحماسات، وهناك حماسات واختيارات أخرى لم تكتب لها الشهرة كالتي تحدثنا عنها، منها حماسة الخالديين وغيرها. أما في العصر الحديث فقد قام محمود سامي البارودي بجمع قصائد قصرها على ثلاثين شاعرًا من المولدين دون سواهم، مثل بشار وأبي نواس ومن جاء بعدهم، عرفت بمختارات البارودي. ولم تطبع إلا بعد وفاته.
بنوتة مصرية
بنوتة مصرية
♣ عدد المشاركات : 192
♣ وطني الغالي : مصر
♣ مزاجي : تصميم انعم مصممة
♣ Sms : نحبك يا أحلى مملكة
♣ تم تقيمي : 1033200
♣ تم شكري : 114

اكبر موسوعة بالتعريف بالشعر وفنونة واغراضة من العصر الج Empty رد: اكبر موسوعة بالتعريف بالشعر وفنونة واغراضة من العصر الج

الأحد يناير 16, 2011 8:39 pm
غراض الشعر العربي
الوصف
المدح
الهجاء
الرثاء
الفخر
شعر الحماسة
الغزل
الشعر السياسي
الزهد ولواحقه
الحكمة
رثاء المدن والممالك

هي تلك الموضوعات التي يتناولها الشعر الغنائي أو الوجداني كالوصف والمدح والهجاء والفخر والغزل وما إليها.
وحول هذه الأغراض، تدور أشعار العرب منذ القديم، حتى أنه من اليسير أن ننسب التيارات الشعرية التي استجدّت في عصور مختلفة إلى واحد من تلك الأغراض، أو إلى أكثر من غرض، وسوف نتتبّع في إيجاز كل غرض عبر العصور المختلفة.

الوصف. ويراد به وصف الشاعر الطبيعة، أو مشهدًا من المشاهد الحية أو الجامدة، أو كائنًا من الكائنات، كوصف امرئ القيس لفرسه، أو مثل لوحات ذي الرُّمَّة الشهيرة في الشعر العربي، أو وصف النابغة لليل وقد امتلأت نفسه بالرعب من النعمان ملك الحيرة. وفي العصر الجاهلي، زخرت المعلقات بالوصف، كما اشتهر شعراء بوصف الخيل خاصة، منهم طُفيل الغنوي والنابغة الجَعْدي، كما اشتهر الشَمّاخ بن ضِرار، وهو مخضرم، بوصف الحُمُر، والقوس، واشتهر أوس بن حجر بوصف أسلحة الحرب. والوصف في الشعر الجاهلي يتَّسم بالبساطة، والحس الفني الذي يجمع بين الرقة والعفوية. والواقع أن الشاعر الجاهلي وصَّاف مصور، فالصورة الفنية عنصر أساسي في شعره.
ولقد وصف الشاعر الجاهلي كل شيءٍ وقع عليه بصره، كالصحراء بكل تفاصيلها والسماء والنجوم والمطر والرياح والخيام والحيوانات والطيور والحشرات، كما وصف أطلال محبوبته والرحلة إلى ممدوحه، بل إنه في سياق غزله قد وصف المرأة وصفًا بارعًا عبَّر ـ في عمومه ـ عن قيم الجمال الأنثوي لديه. بل إن الوصف كان أداته في كل غرض شعري طرقه.
ولا يكاد الوصف ـ في العصرين الإسلامي والأموي ـ يصيبه شيء يُعتدُّ به من التطور، اللهمّ إلا وصف الشاعر الأموي للبيئات الجديدة، بالإضافة إلى وصفه لحياة البداوة على سنة أسلافه في الجاهلية. إذ صور الفرزدق، مثلاً، الثلوج وهو في بعض رحلاته إلى دمشق، كما أن وصف عمر بن أبي ربيعة للمرأة، في سياق غزله، كان وصفًا للمرأة في بيئة أصابها غير قليل من التحول عن البداوة إلى الحضارة، في الملابس والعطور والعادات. وإذا كان ذو الرُّمَّة قد اختص بالوصف واشتهر بلوحاته، بما أوتي من ملكة فذّة، فإن روح البداوة قد ظلت ـ غالبًا ـ تسيطر على عناصر الصورة الفنية لديه.
وفي العصر العباسي، تحول الشاعر، في وصفه، عن البداوة والصحراء إلى وصف مظاهر الحضارة، كالرياض وبرك الماء، وموائد وصنوف الطعام والشراب المستحدثة، والملابس والقصور. وانصرف الشاعر العباسي عن وصف الظباء والغزلان في بيئاتها الصحراوية، إلى وصفها في بيئات متحضرة، كالقصور والبساتين. ولا شك أنَّ ما أوتيه الشاعر العباسي من ثقافات، فضلاً عن اتساع آفاق الحياة، قد أمدّه بقدرة أكبر على التخيّل والتصوير.
ويمكن القول إجمالا: إن الوصف ـ بعد العصر العباسي إلى العصر الحديث ـ قد ارتبط بتطوّر مظاهر الحياة التي يقع عليها حسُّ الشاعر الوصاف، وتطور الثقافات والمعارف، ومن ثم كان الشاعر العربي يلاحق تطور الحياة، كما أن تيار المعارف والثقافات كان يمنح خياله مقدرة أكبر على الوصف، كما نرى في أوصاف أحمد شوقي للنيل وطبيعة مصر، وكذلك شعراء المدرسة الرومانسية كمحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه، الذين أوتوا من قوة الخيال والتصوير الشيء الكثير، واقتربوا، في أوصافهم، من عالم الرمز الذي أكسب أشعارهم غموضًا طفيفًا محبّبًا، كما رفدتهم ثقافاتهم المتنوعة بصورٍ جديدة.

المدح. عرف الشاعر الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب، وكان للغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز الشعراء على مديح أمرائهم. ومن أشهر المداحين من شعراء الجاهلية النابغة الذبياني الذي اشتهر بمدح النعمان بن المنذر. وكما يقول أبو عمرو بن العلاء: ¸وكان النابغة يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه·.
وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل ورفعة النسب، وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه، كما كان يتخذ من المدح المبالغ فيه ـ باستثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ حافزًا للممدوح على المزيد من العطاء. وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق الطريق وما أصاب ناقته من الجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه.
وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار جديد في المديح، هو مدح النبي ³. ومن أوضح نماذجه لامية كعب بن زهير بانت سعاد التي أنشدها عند عفو النبي الكريم عنه، وصارت إلى عصور متأخرة نموذجًا يُحتذى. كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي ³ أيضًا. وبذلك تحوّل المدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجرد والصدق، بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيم الخلقية.
وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية، بعضها يمالئ الأمويين، وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة، وكان مداحو الأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينما تجرد شعراء الفرق المختلفة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للانتصار للمذهب ومحاربة خصومه، كما نجد في مديح عبيدالله بن قيس الرقيات لمصعب بن الزُّبير الذي يجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم.
وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح، تتمثّل في مدائح المتنبي لسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق، وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلم أبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم. ومن هنا جاءت مدائحه تلك أشبه بملاحم رائعة. وكذلك كان أبو تمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من أن نذكرها هنا.
وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح في الشعر العربي ـ وإن يكن للتكسب ـ لم يكن في كل الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هو في كثير من الأحيان تجسيد للود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح، وهذا مايتضح في مدائح المتنبي لسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. فقد كان المتنبي شديد الإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليه نفسه، بقدر ماكان سيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذ الذي طالما تطلعت إليه نفسه الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّد بطولاته.
ولقد مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصر القوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك، وبخاصة، بطولات هؤلاء الرجال في مقاومتهم للصليبيين والتتار والمغول.
ولم يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة، إذ رأينا الشاعر الحديث يرسم لنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًا لذوي السلطان وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارت الأنشودة الوطنية العاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي.

الهجاء. كان الهجاء في الجاهلية يقوم على التنديد بالرذائل التي منها: الجبن والبخل والسّفه الذي هو ضدّ الحلم، فضلاً عن وضاعة النسب، وما عرفت به قبيلة المهجو من مثالب اشتهرت بها بين سائر القبائل، وهذه لا تخرج عن الرذائل التي تنفر منها النفس العربية عادة. ولعل من أشهر الهجَّائين في الجاهلية الشاعر الحطيئة، وهو من المخضرمين، وكان غير مأمون العاقبة، يهجو جماعة من الناس، فيحتالون إليه بالأموال ليكف عنهم هجاءه، فيأخذ أموالهم ولا يكف عن هجائهم.
وفي صدر الإسلام، بدا واضحًا أن الإسلام قد أرسى من الفضائل مايجعل الهجاء إثمًا، ومع هذا، فقد ظل الحطيئة سادرًا في غوايته وهوايته فعاقبه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه بالحبس.
كما أحدث الإسلام تحولاً مهمًا في الهجاء، فاتجه شعراء النبي ³ إلى هجاء المشركين وبخاصة أولئك الذين هجوا النبي وأصحابه، من شعراء المشركين، واضطر حسّان ابن ثابت إلى أن يمطرهم بوابل من الهجاء المقذع معاملةً لهم بالمثل، وهكذا وظف الهجاء في خدمة الدعوة.
وفي العصر الأموي، تطور الهجاء إلى صيغة فنية جديدة لم تُعرف إلا في العصر الأموي، فظهر ماعُرف بالنقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه المقالة.
ويتطور الهجاء في العصر العباسي ليصبح صورًا كاريكاتيرية على يد ابن الرومي خاصة، وعلى يد أبي الطيب المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي. كما يظهر من خلال تيار الشعوبية نوعٌ من الهجاء لل*** العربي، اختلف بين الوضوح والخفاء، وبخاصة لدى أمثال بشار وأبي نواس.
كما شاعت معارك الهجاء بين أفراد من شعراء العصر العباسي، كتلك التي كانت بين حماد عجرد وبشار بن بُرد، وتناول الطرفان أبشع المثالب الحسية والمعنوية. وكما وضح تيار الشعوبية في أهاجي هذا العصر، فلقد وضحت الزندقة أيضًا في الهجاء، فكانت من التهم التي يوصم المهجوّ بها في أشعار الهجاء، كما كان يفعل حماد عجرد في اتهام بشار بالزندقة.
ويظل تيار الهجاء ـ فيما بعد العصر العباسي ـ مستمرًا يشكّل بابًا من الفكاهة والطرافة، إلى أن يدخل العصر الحديث فيتحول هذا الهجاء إلى أداة فعالة في النقد السياسي والاجتماعي، كما في أشعار حافظ وشوقي في حملاتهما على الاستعمار، ونقد بعض أساليب الحكم، بالإضافة إلى نقد بعض الأمراض الاجتماعية، وبخاصة الفقر والجهل.

الرثاء. عرف الرثاء منذ العصر الجاهلي، وكان يتميز بما تميزت به سائر الأغراض من حيث الصدق وعفوية الأداء. وقد رثى شعراء الجاهلية قتلاهم في الحروب، كما رثوا موتاهم في غير الحروب. وكانوا يرثون قتلاهم بذكر مناقبهم وبالبكاء الحار عليهم حثًا للقبيلة على الثأر. كما أن المرأة أدّت دورًا كبيرًا في رثاء قتلى الحروب، إذ تذكر المصادر، مثلاً، أن الخنساء في الجاهلية كانت تخرج إلى سوق عُكاظ فتندب أخويها صخرًا ومعاوية، وكانت تحاكيها هند بنت عتبة راثية أباها، ولم تكن الخنساء ولا مثيلاتها من البواكي يقنعن بيوم أو أيام في رثاء موتاهنَّ، بل كنّ يمكثن الأعوام باكيات راثيات، ولا شك أن النساء كنَّ يدعون بدعوى الجاهلية سواء في أشعارهن أم في بكائهن وعويلهن. ومن روائع مراثي الخنساء ما قالته في أخيها صخر:
قذىً بعينــك أم بالعــين عُوَّار أم ذرَّفت مُذْ خلت من أهلها الدارُ
كأن عيني لذكراه إذا خطرت فيضٌ يسيل على الخدَّيــن مــدرار

ومثلما رثى شعراء العصر الجاهلي ذويهم، فقد رثى الشعراء أنفسهم قبل الموت، ورسموا صورًا بالغة التأثير لمآلهم بعد الموت، كقول أحدهم:
قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَعَث وألبســوني ثيابًــا غـير أخــــلاق
وأرسلــوا فتيــةً من خيرهم حسبًا ليسندوا في ضريح التُّرب أطباقي

ومثلما رسم الشاعر الجاهلي صورة للمثل والفضائل في قصائد المدح، فكذلك كانوا في مراثيهم يعددون فضائل الميت، حتى عرَّف النقاد القدماء الرثاء بأنه ذكر فضائل الميت ومدحه.
وفي صدر الإسلام، ظل الرثاء غرضًا شعريًا، إلا أن العقيدة الجديدة أدخلت عليه تطويرًا واضحًا. فلم يعد الراثي يذكر ما حظره الإسلام من المعاني التي تتعارض مع ما أمر الله به من الصبر والإيمان بقضاء الله تعالى. كما كانت مراثي شعراء الرسول ³ تتضمن معاني الجهاد والإشادة بالبطولة والشهادة في سبيل الله. وتتضمن أحيانًا هجوًا للمشركين وقتلاهم.
وفي العصر الأموي ـ وبخاصة إبان أحداث الفتنة الكبرى وغيرها ـ تلقانا مراثٍ كثرٌ فيمن قتل من رجال الشيعة أو من رجال الخوارج. وبجانب البكاء في هذه المراثي أو تلك وبجانب الإشادة بالأموات، كان الرثاء ممتزجًا بالأفكار السياسية للفرق، وكان شعر الرثاء فرصة للتعبير عن هذه الأفكار. فها هو ذا عبيدالله بن قيس الرقيات يرثي ولدي أخيه عبدالله اللذين قتلا في موقعة الحرّة، فيقول:
إن الحوادث بالمدينــة قد أوجَعْـنَنِي وقرعْـن مَرْوتِيَــهْ

إلى قوله يتوعد الأمويين:
والله أبرح في مقدمةٍ أهدي الجيوش عليَّ شكَّتيه
حتى أفجّعهم بإخوتهم وأسوق نسوتهـم بنسوتيّــه

كما شاعت مراثي الشعراء للحسين بن علي رضي الله عنهما.
وفي العصر العباسي، تظهر مراثي الشيعة في الإمام الحسين، وأشهر شعرائهم في ذلك السيد الحميري ودِعْبِل الخُزاعي، ومن أصدق مراثي هذا العصر مراثي دعبل في زوجته التي قتلها في موجة شك عارمة انتابته على إثر وشاية كاذبة فلما ظهرت له براءتها مضى يرثيها أصدق رثاء.
وحين اشتدّت موجات الصّليبيين والمغول على المسلمين، كان من الطبيعي أن تشيع مراثي الشعراء في القادة خاصة، سواء من استشهد منهم أو من مات خارج المعركة. فمن ذلك مراثيهم في عماد الدين زنكي الذي استشهد على يد غلام له أثناء حصاره لإحدى القلاع، كما رثى الشعراء ابنه نور الدين حين مات، خارج المعارك، وفقد المسلمون بموته قائدًا عظيمًا.
كما بكى الشعراء صلاح الدين، وقد بلغت مرثية العماد الأصبهاني له مائتين وثلاثين بيتًا صور فيها حسن بلائه. كما شاعت مراثيهم في موتى الأيوبيين والمماليك والعثمانيين، هذا إلى رثاء الأعلام من الوزراء والعلماء والقضاة.
وفي العصر الحديث، استمر الرثاء غرضًا شعريًا مستقلاً، وبخاصة رثاء الزعماء وقادة الحركات الوطنية والإصلاحية، وهنا تصبح المراثي فرصة لتجسيد المعاني الوطنية، والسياسية والدينية، كما اصطبغ الرثاء بأصباغ فكرية، واختلفت مناهجه على أنحاء شتى تبعًا لمذاهب الشعراء ومدارسهم الفنية.

الفخر. عَرَف العصر الجاهليُّ الفخر غرضًا من أغراض الشعر، وكان هذا الفخر نوعين: أحدهما فردي، حيث يشيد الشاعر بنفسه وفضائله، والآخر كان فخرًا جماعيًا أشاد الشاعر فيه بقبيلته. وكانت الفضائل التي مدح بها الشاعر هي نفسها التي افتخر بها من شجاعة وكرم ونسب رفيع، وقد جرت المفاخرة على الأحساب والأنساب بين عامر ولبيد والأعشى وبين علقمة والحطيئة وفتيان من بني الأحوص.
وبمجيء الإسلام، ذهبت عصبية القبيلة، وحلت محلها عصبية العقيدة والإخاء في الله، ومضى حسان بن ثابت وغيره من شعراء النبي ³ يفخرون بإيمانهم، وبالقيم الإسلامية الجديدة، وكما كان حسان يهجو قريشًا، فكذلك كان يفخر بالمسلمين، كما في همزيته التي جاء فيها:
وجبريـــلٌ أمـــين الله فينــا وروح القدس ليس له كِفاءُ

وكما في داليته إذ يقول:
فينا الرسولُ وفينا الحقُّ نتْبعه حتى الممات ونصرٌ غير محدود

وفي العصر الأموي، عاد الفخر القبلي إلى الظهور من جديد، وبخاصة في إطار النقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذه المقالة.
وكما برز الفخر، في العصر الأمويّ، في إطار النقائض خاصة، فلقد برز أيضًا في إطار شعر الفرق السياسية، وتباينت خصائص هذا الفخر من فرقة إلى أخرى، فكثر فخر شعراء الخوارج بالقيم الدينية، كالتقوى والزهد والشجاعة. انظر: الجزء الخاص بالشعر السياسي في هذه المقالة.
وفي العصر العباسي، ضعف الفخر القبلي، وظهر الفخر الشعوبي لدى أبي نواس خاصة الذي شاع لديه أيضًا نوع من الفخر القبلي بسادته من بني سعد العشيرة القحطانيين. على أن شعر الفخر في العصر الأيوبي قد تحول ـ مع حركة النضال ضدّ الصليبيين ـ إلى تيار عارم يفخر بالانتصارات معبّرًا عن مدى الإحساس العميق بالثقة، والتحدي للأحداث، كما في شعر ابن سناء المُلْك:
سواي يخاف الدهر أو يرهب الردى وغيري يهوى أن يكون مخلّدا
ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا ولا أحذر الموت الزؤام إذا عـدا.

ولقد اختفى في العصر الحديث هذا الفخر القبلي، ليصبح فخرًا بالفضائل الكبرى، كما ظهر نوع جديد من ذلك الشعر السياسي لدى أحمد شوقي خاصة، يفخر فيه بمصر وبتاريخها كما في رائعته كبرى الحوادث في وادي النيل ولم تعد ذات الشاعر، في مفاخره، هي همه، بل كان القصد هو إلهاب المشاعر الوطنية والإسلامية. ويمكن أن نضع مسرح شوقي التاريخي في هذا الإطار.

شعر الحماسة. وهو شعر الحرب الذي يصف المعارك ويشيد بالأبطال ويتوعد الأعداء. وهذا الغرض قد يبدو في رثاء أبطال الحروب، أو في مدحهم، أو في سياق فخر الشاعر ببطولاته في الحرب، وقد امتزج بوصف المعارك والإشادة بالبطولة. وقد أثمرت حروب القبائل في الجاهلية قصائد حماسية. وتعد معلقة عمرو بن كلثوم واحدة من عيون الحماسيات في أشعار الجاهليين، ومثلها معلقة عنترة التي امتزج فيها الفخر بالحماسة، وقصائد أخرى له.
وقد كانت قصائد الحماسة مادة لإلهاب مشاعر المحاربين، كما عدّها مؤرخو الأدب مصدرًا مهمًا لتاريخ العرب في حروبهم وأسلحتهم وأنسابهم وفضائلهم. كما كانت نماذج رفيعة لشعراء العصور الإسلامية المختلفة.
وكان من الطبيعي أن يظل هذا الغرض قائمًا في العصر الإسلامي، ففي صدر الإسلام، فاضت قرائح شعراء الرسول بحماسيات تصور غزواته وتعبر عن فخر الشاعر المسلم بشجاعته، وتشيد في سياق الرثاء بشجاعة الرسول وشجاعة من لقي ربه من شهداء المسلمين.
وفي العصر العباسي وما يليه من عصور، يظل الصراع مشتدا بين المسلمين وخصوم عقيدتهم من الروم والصليبيين والمغول، وتثمر تلك الحروب فيضًا زاخرًا من شعر الحماسة. ويقف في مقدمة الحماسيين أبو تمام، ومن نماذجه الرفيعة بائيته الشهيرة:
السيف أصدق أنباءً من الكتب في حَده الحدُّ بين الجِدِّ واللعب

كما صنَّف أبو تمام مجموعته المسماة بالحماسة. انظر: الحماسات. وجعل أشعار الحماسة أول أبوابها وأغزرها مادة، مما يدل على اعتداد المسلمين بالجهاد واتخاذهم من شعر الحماسة مادة لإثراء القرائح الشعرية من جهة، وإلهاب مشاعر الجهاد من جهة أخرى. وقد مضى القول عن أبي الطيب المتنبي، وقصائده في مدح سيف الدولة، أرفع نماذج البطولة في ذاكرة أبي الطيب، تعد بحق أرفع ما فاضت به القرائح من الحماسيات الإسلامية، سواء في دقة وصف المعارك والجيوش والأسلحة، لدى المسلمين والروم، أم في تصوير شجاعة سيف الدولة وجنوده.
ويمضي شعر الحماسة فيما بعد المتنبي ليسجل لنا حروب المسلمين ضد الصليبيين والمغول والتتار. ومع ما أصاب الشعر العربي من ضعف خلال تلك الحقب، فإن الشاعر المسلم لم يقصر، في حدود موهبته، في الإدلاء بدلوه في تسجيل حركة الجهاد الإسلامي.
وفي العصر الحديث، تفيض قرائح الشعراء ابتداءً من البارودي الذي رددت حماسياته أصداء الشعر في أزهى عصوره، خاصة في قصائد الفخر التي رددها في سرنديب. كما أثمرت قريحة أحمد شوقي الفذّة حماسيات أُخر كان يصف بها معارك العثمانيين. كما أن قصائد شوقي الوطنية تعد بحق شكلاً جديدًا متطورًا من شعر الحماسة.

الغزل. عُرف الغـزل منـذ العصر الجاهليّ، ويدلنا تراث هذا العصر من شعر الغزل على رقة مشاعرهم، كما يسجل لنا معاييرهم في جمال المرأة. ومن أشهر المتغزّلين في هذا العصر: عُروة بن حزام العُذريّ الذي أحبَّ عَفْراء ابنة عمه، ومالك بن الصمصامة الذي أحبَّ جنوب بنت محصن الجعديّ، ومسافر بن أبي عمرو الذي أحب هندًا بنت عُتبة. على أن قصة عنترة وابنة عمه عبلة أشهر من أن تذكر. وكانوا في مقدمات قصائدهم يبكون ديار أحبتهم في حنين جارف، كما كانوا مشغوفين بذكر رواحل محبوباتهم حين يرحلن من مكان مجدب إلى آخر خصيب. وفي معلقة امرئ القيس مقدمة غزلية باكية فيها ذكر الحبيب ومنزله، ويقال: إنه كان أول من بكى واستبكى. كما أن زهيرًا في معلقته قد بدأها بوصف طويل لارتحال محبوبته.

وقد مضى العصر الجاهلي، والقصيدة العربية، إلا النادر منها، لا تستقل بغرض الغزل، وإنما كان الغزل يرد في مقدمتها فحسب.

وفي العصر الإسلامي، وجدنا كعب بن زهير يستهل لاميته الشهيرة في مدح رسول الله ³ بذكر سعاد والتغزل بها، حتى اشتهرت لاميته تلك بقصيدة: بانت سعاد. إلا أن الإسلام كان له تأثيره في الغزل بحكم تأثيره الأخلاقي في المجتمع، وبخاصة في العلاقة بين المرأة والرجل، ومن هنا اتسم الغزل في العصر الإسلامي بالطهر والعفة، وشاعت في ثناياه بعض الأفكار الإسلامية.

على أن الغزل، في العصر الأموي خاصةً، قد أصابه تطور ملحوظ فلم يعد مجرد مطلع في قصيدة، بل استقلّت بالغزل قصائد تامة. وقد اشتهر بالغزل عمر بن أبي ربيعة ولم يتطرق إلى أغراضٍ سواه، حتى أوقف على الغزل ديوانه كاملاً. كما عَرف العصر الأموي تيارين للغزل هما الغزل اللاهي، أو ما سماه الدارسون بالغزل الصريح حينًا والحسّي حينًا آخر، وتيار الغزل العفيف، أو العذري.

الغزل العذري فن شعري تشيع فيه حرارة العاطفة التي تصور خلجات النفس وفرحة اللقاء وآلام الفراق، ويحفل بوصف جاذبية المحبوبة وسحرها ونظرتها وقوة أسرها، ولا يتجاوز ذلك. ويقتصر فيه الشاعر على محبوبة واحدة ردحًا من حياته أو طوال حياته. وسُمِّي عُذْريًا لأن أول من اشتهر به من قبائل العرب هم بنو عُذْرة، ثم أصبح الغزل العذري بعد ذلك فنًا ينطبق على كل من نهج نهجهم وذهب مذهبهم، وعبَّر عن أحاسيسه وعاطفته تعبير الشعراء العذريين.

عُرف الغزل العذري منذ الجاهلية، إلا أنه تميَّز تميُّزًا ظاهرًا في صدر الإسلام، وفي عهد بني أمية،حيث أصبح مدرسة شعرية قائمة بذاتها، حين انقسم شعر الغزل إلى اتجاهين: عذري وصريح. وقد انتشر الغزل العذري في بادية الحجاز حيث يقيم بنو عذرة، وفي عالية نجد حيث تقيم القبائل الحجازية النجدية. وقد كانت ظروف المعيشة والواقع الإسلامي من أسباب انتشار الغزل العذري في بيئات البادية التي تحولت في هذا العصر إلى حياة جديدة في قيمها ومُثُلها ومعارفها فحافظت على الطُّهر والنقاء.

كان شعراء الغزل العذري في وضع اجتماعي أقرب ما يكون إلى الكفاف والقناعة؛ إذْ لم يحسنوا التكيف السريع مع مستجدات الأحداث، ولم يستطيعوا البقاء على حياة الجاهلية الأولى التي كانوا يعيشونها قبيل الإسلام. وعندما انتقلت قوة القبائل وشوكتها إلى الأمصار وانتقل جلّ شبابها مع الفاتحين، لم يبق في بادية الحجاز غير أولئك الذين لم يستطيعوا ترك بلادهم وأهلهم. وقد تأثروا بالإسلام وطُبعت حياتهم الجديدة بشيء غير قليل من التغيُّر؛ فعبروا عنه بالزهد في الحياة وملذاتها، ووجدوا في الشعر تعويضًا عن مطامح الدنيا التي لم يستطيعوا مواجهتها، كما وجدوا قبولاً لدى الناس لهذا الفن، عوَّضهم عمَّا فقدوه في واقعهم الاجتماعي.

وأصبح للشعر العذري عناصر مشتركة حافظ عليها الشعراء ولم يتخلوا عنها، وهي وصف حدة الهجران والحرمان، ومعاناة الصبر، وتأجج نار الحب، واحترام العلاقة بين العاشقين، والأخذ بالعفة والرضى بالعلاقة الطاهرة. وإذا كان الغزل العذري استجابة لظروف بيئية، واتبَّاعًا لعادات وأعراف اجتماعية ساعدت على نموه في نفوس الناس؛ فإنه قد اتخذ العاطفة الصادقة سبيلاً لشرح العلاقة بالطرف الآخر، فقويت بواعثه في نفوس بعض الشعراء حتى أثمرت العلاقة الطاهرة التي تستجيب لفطرة الإنسان وتحترمها.

ولا يتخذ الغزل العذري مظهرًا واحدًا عند المحبين جميعًا، فهو هادئ عند بعضهم، ثائر عند آخرين، يلامس بعض النفوس فتقوى لديها عاطفة الحب حتى تستبد بالشاعر، فيصف لواعج الحب ولهيب الجوى الذي يكتوي به قلبه، وهو عنها راضٍ ليعيش في حب دائم لا ينقطع، وإن انقطعت أسبابه من الطرف الآخر، حتى يصير شعره أنينًا وتضرُّعًا، ولكنه لا يجد راحة ولا ييأس من وصْل المعشوقة على كل حال.

وقد قويت مظاهر الغزل العذري فارتبطت بالتغيُّرات الاجتماعية التي طرأت على حياة الناس وارتبطت بواقعهم خلال فترة زمنية طويلة. كان الإسلام مشجِّعًا على العفة، ومنظِّمًا لعلاقة الرجال بالنساء. وقد منع الاستجابة العشوائية للشهوة إلا عن طريق مشروع، وسما بالعقيدة والعلاقة والأخلاق، فكان عاملاً من عوامل الحب العذري ودافعًا إليه.

وقد تحدَّدت العناصر الأساسية التي يعتمد عليها الغزل العذري في أمور أهمُّها :

المعاني بسيطة مباشرة لا يتعمق فيها الشاعر ولا يُدقِّق في دلالاتها، وليست موطن اهتمامه وتعهده، ولا يحرص عليها أو يُجوِّدها. كلُ هَمه أن يعبِّر عن العاطفة التي تجيش بها نفسه. ولذا تتصف معاني العذريين بالفطرة والسذاجة والبعد عن التعقيد اللفظي.

الصدق. تغلب روح الصدق على الشاعر العذري، فهو يقنع مستمعيه بحرارة عاطفته وأمانة وصْفه لما يعبِّر عنه من شعور نحو محبوبته، فتظهر كلماته صافية لا يلوِّثها الخداع الاجتماعي والنفاق والمداراة التي قد تكون عند غيره من الشعراء.

خصوصية الحب.لا يتحدث الشاعر العذري إلا عن محبوبة واحدة فلا يتجاوزها إلى غيرها، ولا يتحول حبه عنها، فهي داؤه ودواؤه، وهي حبه الوحيد ومطلبه الأبدي. وبسبب ذلك، ارتبط اسم كل شاعر بحبيبته، وصارا متلازمين، فنقول: عروة عفراء، وجميل بثينة، وقيس ليلى، وكثير عزة، وقيس (ابن ذريح) لبنى.

الأسلوب سهل مباشر يتَّجه فيه إلى الغرض الأصلي دون المرور بالمقدمات أو الأغراض الأخرى التي يهتم بها الشعراء غير الغزليين.

العفة. أظهر ما يميِّز الشعر العذري عفة الأساليب، وطُهْر القول، وبساطة العرض وسهولة المعنى.

اليأس. يعيش الحب العذري على اليأس أكثر مما يعيش على الأمل، ويصف المرأة بأنها مُعرِضةٌ متمنِّعة قلَّما تستجيب له أو تسمع منه.

ومن أشهر شعراء هذا الفن عروة بن حزام وجميل بثينة وكُثَيِّر عزة وقيس (مجنون ليلى) وقيس بن ذريح. انظر: عروة بن حزام؛ جميل بثينة؛ كثير عزة.

وقد منح الغزل العذري القصيدة الأُموية ذاتية متميزة؛ حين جعل الغرض الشعري غرضًا مفردًا لا تتجاوزه القصيدة إلى سواه، فهي قصيدة غزلية من مفتتحها إلى نهايتها، على حين كان الغزل من قبل يأتي في مقدمات القصائد، ولا يستقل غرضًا قائمًا بذاته.

الغزل الحسي هو الغزل المادي الذي يصف الملامح الجسدية للمرأة. وأساسه حب ممتزج بميول شهوانية وعواطف خالية من التحرُّج، وأوصاف مكشوفة، يدفع إليها الشوق إلى الاستمتاع بالمرأة. وهو تصوير لحب عابث، طبيعته الإعجاب المؤقت بالجمال حتى يقضي الشاعر منه وطرًا، فينقلب إلى البحث عن حب جديد. وقد اكتسب المصطلح اسمه وصار غرضًا شعريًا قائمًا بذاته في العصر الأموي لأسباب سياسية واجتماعية وفكرية وحضارية واقتصادية خاصة بذلك العصر.

وأصحاب المذهب الحسي في الغزل لاطاقة لهم بالصبر على محبوبة واحدة؛ لأنهم يرون أن الحب المفرد قَيْدٌ يحدُّ من انطلاقهم وحريتهم. وهم يلتمسون الحب المتعدِّد تخففًا من قيود الحب الواحد وما يُلقي عليهم من تبعة لا تقبلها طبيعتهم ولا يرضاها سلوكهم. فحبهم قائم على الاستطراد المؤقت، وأنفسهم قادرة على تغيير الحال والانتقال بعواطفهم إلى حيث شاءوا من مواقع الجمال فيتحول الحب عندهم إلى ضرب من المغامرة.

ولا يتحرج الشاعر الحسي من إعلان اللذة وطلب المتعة المتجددة والاستمتاع بالمرأة، وقد يجاهر بشيء من الفحش. كما يجنح إلى لون من الحوار القصصي يُكْسِب شعره طرافة وجمالاً، ويخلق جوًا من المرح. ولا يحفل هذا الفن بالجاذبية الروحية التي يجدها العاشق في المرأة، بقدر احتفاله بأوصافها الجسدية وأنها مخلوقة للاستمتاع. وقد برع الغزل الحسي في الوصف براعة جعلته يتناول كل عضو من جسد المرأة ويصور مكامن الجمال فيه ولذة النظر إليه.

وقد يجعل الشاعر الحسي في صحبة من يتغزل بها نسوة يشهدن اللقاء، ويُعجبن به، كما يرسل الوسطاء، ويتفنن في ضروب الحيل ليحقق في نهاية المطاف صلته بمن يُحب. والشاعر هنا لا يُجهد نفسه بوصف تباريح الحب، ولكنه يهتم بوصف نجاح مغامراته ولياليه الواصلة وتحقيق مطالب جسده وإشباع غريزته.

والقصيدة عند الغزليين الحسِّيين ذات موضوع واحد، فلا ينتقل الشاعر من غرض إلى آخر، كما كان منهج الشاعر في القصيدة العربية من قبل. وقد تطور الأمر في العصر الأموي إلى شيء من الاختصاص الدقيق، وأصبح لدى بعض الشعراء موقف فني يتمثل في قصر الشِّعر على وصف المرأة والحديث عنها وعدم تجاوز موضوع المرأة إلى سواه من موضوعات القصيد وفنون القول. وقد حقق عمر ابن أبي ربيعة هذا القول عندما قال لسليمان بن عبد الملك إنه لا يمدح الرجال ولكنه يمدح النساء.

ولم تكن المرأة متمنعة لدى هؤلاء الشعراء الحسيين، لكنها سهلة موافقة تبادل الرجل الحب وتظهر ضروبًا من الدلال وتكشف عن رغبة في اللقاء والتطلع إليه.

وتكمن فلسفة شعراء الغزل الحسي في أن الحياة غرام وعشق، ومن لا يحاول ذلك فهو حجر جامد وميت لا حياة فيه.
إذا أنْت لَمَ تَعْشَقْ وَلَمْ تَدْرِ مَا الهَوى فَكُنْ حَجَرًا من يَابِسِ الأرْضِ جَلْمَدَا



وأهم عناصر هذا اللون من الغزل يمكن إجمالها فيما يلي:

- الآنِيَّة والتجدُّد في العلاقة والانتقال بالعواطف من امرأة إلى أخرى:
فإن تَصِلي أصلْك وإن تعودي لهجرٍ بعد وصْلك لا أُبالي



- العاطفة متقلِّبة متنقِّلة سريعة التغيُّر غير قادرة على الثبات.

- ليس الحب عناءً يذيب النفس، ولكنه متعة للشاعر حيث لا يشكو الحرمان ولا يذوق مرارة الهجر.

- مطلبه المباشر المرأة والحديث المكشوف عنها وعما يصل إليه منها والتصريح بذلك ووصف العلاقة بينهما.

ومن أشهر شعراء هذا الفن في العصر الأموي عمر بن أبي ربيعة والأحوص والعرجي.. وغيرهم. ويجمع بينهم أنهم شعراء مُدن وأنهم من الحجاز انظر: عمر بن أبي ربيعة؛ الأحوص.

الغزل في العصر العباسي وما بعده. كان من الطبيعي أن يظـهر في العصر العباسي تيار غزلي يتجاوز حدود الخلق والقيم الإسلامية بل والعربية، حين ظهر الغزل بالمذكر يتزعمه أبو نواس، وظهر الغزل الماجن بالمرأة لدى أمثال مسلم بن الوليد ومطيع بن إياس.

وفيما بعد العصر العباسي، يظهر تيار غزلي قوي حقًّا جمع بين الرِّقة والظرف في ثوبٍ لغوي سهل ووزن شعري زاخر بالخفّة والتطريب. ورأس شعراء هذا الغزل في مصر: البهاء زهير (ت 656هـ)، ولعله أبرع الغَزلين قاطبة في هذا العصر، ومن الغَزلين بالشام: الشاب الظريف (ت688هـ).

ويقوى تيار الغزل في العصر الحديث منذ البارودي، وشوقي، مرورًا بشعراء الديوان وأبولو والمدرسة الواقعية الحديثة.

وقد تنوعت طرائق الغزل في الشعر الحديث تبعًا لمدارسه، فشوقي يتغزّل على طريقة القدماء، بل إنه ليعارض بعض قصائدهم، ولكن موهبته الخصبة ميّزت غزله بطابع خاص كما أن مسرحه الشعري لم يخلُ من نبض الغزل كما في مجنون ليلى، و مصرع كليوباتر ا. وقد كانت التقاليد المرعية وقيم المجتمع دائمًا تقف بغزليات شوقي، في مسرحه خاصة، عند حدود ثابتة.

أما المدرسة الرومانسية فقد مضت بالغزل أشواطًا بعيدة، وكذلك فعل شعراء المهجر الشمالي؛ إذ مزج كل أولئك غزلهم بالطبيعة، كما امتزج غزلهم بفلسفاتهم وأحزانهم ومشاعرهم وخيالهم المجنّح.

الشعر السياسي. ارتبط الشعر العربي برؤية الشاعر السياسية منذ العصر الجاهلي، فالقبيلة العربية هي الصورة المصغرة للدولة، والشاعر لسان حال هذه القبيلة. ومن ثم كان شعره يتّصل بمواقف هذه القبيلة احتجاجًا عليها أو تأييدًا لها. ويفسّر ذلك احتفال العرب بالشاعر أكثر من احتفالها بالكاتب. فالشاعر هو الذي يرفع مكانتها بين القبائل الأخرى.
وفي عهد النبوة، كان حسان بن ثابت شاعر الرسول ³ ورهطه من الشعراء المسلمين يقفون موقفًا سياسيًا، حين ينافحون عن الدعوة، ويذودون عنها، ويردون كيد شعراء المشركين في نحورهم.
ولكن الشعر السياسي اُتخذ غرضًا شعريًا قائمًا بذاته مع بداية الدولة الأموية، حين انقسم المسلمون عقب معركة صفين إلى طوائف وأحزاب أهمها الخوارج والشيعة والزبيريون والأمويون.
ومن هذا التاريخ، أصبح لهذه الأحزاب السياسية شعراء يتحدثون عن مبادئها وتوجُّهاتها، فتحوَّل الشِّعر إلى إطار سياسي تحكمه أهداف ومناهج، ويقوم على نظرية محددة المبادئ في الحكم وتأييد الحزب الذي يرفع الشاعر رايته ويدعو له. هذا الشعر لم يكن دعوة سياسية قائمة على البرهان والحوار العقلي فقط، ولكنه يمور بمشاعر صادقة ولا يخلو من النسيب والهجاء والمدح. وأهم هذه الفرق:

الخوارج. وهي الفرقة التي خرجت على علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) حين قبل التحكيم بينه وبين معاوية. وتقسمت إلى طوائف، منها الشُّراة والحَرُوريَّة والمُحَكِّمة وكان أكثرهم من الأسد اليمانية وتيم المُضرية. وتقوم دعوتهم على أن الخلافة لمن يصلح لها من المسلمين وليست ل*** أو طبقة. وقد شارك الخوارج بشعرهم في طرح نظريتهم السياسية. ويمتاز شعرهم بأنه أصدق صورة أدبية لمذهب ديني سياسي. وقد احتفظوا بسَمْتِهِم البدوي فجاء شعرهم صريحًا جريئًا قويًا جمع صدق الشعور وقوة العقيدة وسلامة الخُلق والطبع. كما يمثل صورة للشعر الذي نشأ في ظل الإسلام، وتأدب بآدابه فأخذ من بلاغة القرآن ومن السُّـنَّة المطهَّرة. ويلفت النظر أن شعراء الخوارج هم زعماء المذهب وحملة السيوف، ولذلك لم يظهر منهم فحول إذ كانوا في عجلة من أمرهم للفراغ من الشعر للدخول في المعركة، فمعظم شعرهم مقطوعات لا قصائد، في إيقاع قوي، وموضوعه الجهاد والشهادة والتحذير من القُعود والاستبشار بأولئك الذين نالوا الشهادة. وشعرهم أكثر أشعار الفرق بعدًا عن المدح أو الفخر أو الغزل وأكثر دورانًا حول الحماسة ومواقف الجهاد الثائرة. وقد أفنى شعراء الخوارج عصبيّاتهم القبلية والعرقية في عقيدتهم المذهبية. ومن أشهر شعراء الخوارج عمران بن حطَّان الذي يقول:
لقد زاد الحيـــاة إليّ بغــضًا وحبًـــا للخــــروج أبو بــــلال
أحاذر أن أموت على فراشي وأرجو الموت تحت ذُرى العوالي
ولو أني علمـت بأن حتــفي كحتــف أبي بــلال لـم أبـــال

وكان منهم شاعرات مثل أم حكيم، ومن قولها:
أحمل رأسًا قد سئمت حَمْلَهُ
وقد مللـــت دهنـــه وغَسْـلَــهُ
ألا فتىً يحمــل عني ثِقْلَـــهُ

كما ذاع شعر قطري بن الفجاءة ومنه قوله، في تثبيت النفس وحضها على الجهاد:
أقـول لهــا وقد طارت شَعَاعًا من الأبــطال ويحــك لا تـراعي
فإنك لو سألــت بــقاء يـــوم على الأجل الذي لك لم تطاعي
فصبرًا في مجال الموت صبرًا فما نيـــل الخلــــود بمستطاع

وكذلك الطِّرِمّاح بن حكيم في قصيدته:
وإني لمقتادٌ جوادي وقاذف به وبنفسي العام إحدى المقاذف

الشيعة. وهم الحزب الثاني الذي كان نظيرًا للخوارج في مواجهته لبني أمية. وتقوم نظريتهم السياسية على أن حق الحكم يجب أن يكون لعربي قرشي هاشمي، ومن هنا اتصل العداء بينهم وبين بني أميّة حين تحول الحكم إلى البيت الأموي.
يجمع شعر الشيعة بين الاحتجاج والتصوير، الاحتجاج في حقهم في الحكم والتصوير لما أصاب آل البيت من محن وكوارث، ثم مدح آل البيت ورثاء أئمّتهم وهجاء بني أمية والزبيريين. ويختلف شعراء الشيعة عن الخوارج في أن الشيعة تكسبوا بالشعر واحترفوه، فمدحوا وتغزلوا وهجوا. وكان منهم الشعراء الفحول الذين وقفوا أنفسهم على الشعر والاحتجاج به لمذهبهم؛ فكتبوا القصائد الطوال دون المقطوعات. كما يعكس شعرهم بعض مبادئهم. ومن أشهر شعرائهم الكميت الأسدي الذي تزعم الاحتجاج في هاشمياته. انظر: الكميت.
ومن أشهر هاشمياته البائيَّة واللاميّة. يقول مطلع الأولى:
طربتُ وما شوقًا إلى البيض أطرب ولا لعبًا مني، وذو الشيب يلعبُ

ومطلع اللامية:
أَلا هل عَمٍ في رأيه متأمل وهل مدبــر بعـد الإساءة مقبل؟

وكذلك دِعْبِل الخُزاعي الذي عُني بالتصوير المؤثر لمصائب آل البيت خاصة في تائيته المشهورة:
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنـزل وحـيٍ مُقْــفِر العَرَصَات

ثم أيمن بن خريم ومن مشهور شعره قصيدته التي يقول في أولها:
نهاركم مكابدة وصوم وليلكـــم صـــــلاة واقــــتراء

الزبيريون. أما أتباع عبدالله بن الزبير فقد عرفوا بالزبيريين. وتقوم نظريتهم على حق الأرستقراطيّة القرشية في الحكم وأن الخليفة يجب أن يكون بالضرورة عربيًا قرشيًا. أسس هذا الحزب عبدالله بن الزبير، وآزره أخوه مصعب.وكان مصعب أكثر عطاءً للشعراء فالتفُّوا من حوله، وأذاعوا مبادئ حزبه السياسية. ويعد عبدالله بن قيس الرقيات شاعرهم المقدم وكان يمزج الغزل بالسياسة وبالمدح. ومن شعرائهم أيضًا أعشى همدان ودكين الفُقَيمي. ومن أشهر قصائد ابن الرقيات قوله:
أقفرتْ بعد عبد شمس كداء فكُدَيٌّ فالركن فالبطحاء
حبذا العيش حين قومي جميعٌ لم تفرق أمورَها الأهـواء
قبل أن تطمع القبائل في ملك قريش وتشمتَ الأعـداء

الأمويون. أما الأمويون فهم الحزب الذي استأثر بعداء كل تلك الأحزاب؛ إذ كان يمثل السلطة الحاكمة، وكان الشعراء لذلك يقدمون إلى بلاط بني أميّة للفوز بجوائزهم ومن ثم كثروا وتعددوا ولكن من أشهرهم النابغة الشيباني وعدي بن الرقاع كما مدحهم الأخطل وجرير.
هذه الفرق الأربع هي أهم الأحزاب السياسية التي اكتمل على يديها الشعر السياسي فخرجت به من مجال الرؤية المحصورة إلى مجال أرحب وأوسع، حين جعلت السياسة جزءًا أصيلاً من البنية الشعرية والأدبية.

الزهد ولواحقه. لا شك أن هذا اللون مدين للإسلام، منذ كان غناءً بقيم هذا الدين وفضائله لدى شعراء الرسول ³. وفي العصر الأموي، عبر شعر الفِرق الإسلامية عن معاني الزهد والتقوى، وبخاصة لدى الخوارج؛ إذ تشيع في أشعارهم معاني الإعْراض عن الدنيا وزخارفها والتطلع إلى الآخرة في إطار شعر الحماسة والتعبير عن المعاني الفدائية. يقول شاعرهم:
مارغبة النفس في الحياة وإن عاشت قليلاً فالموت لاحقها
وأيقنــت أنهــا تعـود كمــا كان براهـا بالأمـس خالقهـا
من لم يمت عَبْطَةً يمت هرمًا والمـوت كأس والمـرءُ ذائقها

وقد شهد العصر الأموي أئمة من أهل العلم والتقوى، منهم: الحسن البصري، وكان لأولئك الأئمة تأثيرهم في الشعر الديني، بل إن من الفقهاء من عرف بالشعر الديني مثل: عروة بن أذينة فقيه المدينة. ومن شعراء الزهد في هذا العصر عبدالله بن عبدالأعلى، ومِسكين الدارمي، ولهذا الأخير قصيدة ذكر فيها طائفة من الشعراء ناسبًا قبر كل شاعر إلى بلده ومسقط رأسه، مع التهوين من أمر الدنيا والزهادة فيها والاعتبار بالموت. ومن الشعراء الزهاد في العصر الأموي، أيضًا، أبو الأسود الدؤلي، وسابق البربري قاضي الرقة بالموصل وإمام مسجدها، وممن كانوا يفدون على عمر بن عبد العزيز ليعظه. يقول الجاحظ عن شعر سابق هذا: ¸لو أن شعر سابق البربري كان مفرّقًا في أشعار كثيرة لصارت تلك الأشعار أرفع مما هي عليه بطبقات·.
وفي العصر العباسي، قوي شعر الزهد، وظهر تيارًا قويًا واقفًا في مواجهة شعر الخمر والمجون الذي تزعمه أبو نواس وحماد عجرد ومطيع بن إياس. ومع انتشار الفسق والمجون في المجتمع العباسي، فإن التدين قد انتشر في مواجهته، وكان شعر الزهد، بل أدب الزهد ولواحقه، يمثل جبهة المواجهة الصلبة ضدّ هذا التيار.
وأقوى شعراء الزهد فى العصر العباسي الأول محمود الوراق، فقد عبر، أكثر من غيره، عن معاني الزهادة والتقوى كالمبادرة إلى العمل الصالح والتسليم بقضاء الله تعالى والتوكل عليه والقناعة والصبر عند النوازل واتخاذ الحديث عن الشيب نذيرًا بالموت، والعفو عمن ظلم. ثم هناك من شعراء الزهد طائفة من الفقهاء والمذكِّرين النسّاك مثل: مالك بن دينار وعبدالله بن المبارك بل إن الخليل بن أحمد العالم اللغوي النحوي كانت له أشعار في الزهد.
وفي العصر العباسي الثاني وما يليه، ظل لتيار أشعار الزهد قوته، ثم ظهرت موجة أخرى رافقت الزهد، تلك هي موجة التصوف التي يعاب عليها اقتباسها عناصر غير إسلامية تتعارض مع توحيد الله وتنزيهه، ومن هؤلاء الجنيد وتلميذه الحلاّج والشبليّ، وإن كان هذا الأخير أكثر اعتدالاً، وكان ينكر على الحلاج، خاصة، شعوذاته.
وينبغي ألا تفوتنا الإشارة إلى أبي العتاهية أشهر شعراء الزهد في العصر العباسي قاطبةً، ويذكر له في مجال الفن الشعري الخالص إحداثه تطورًا ملحوظًا فيه غير هيّاب سواء في العروض حيث استخدم مقلوب بحر البسيط كما ولَّد في الشعر معاني جديدة.
وفيما بعد العصر العباسي، تشتد موجة الشعر الديني عمومًا بل تصبح موجات قوية هادرة، فيظهر جيل جديد من شعراء التصوف القائلين بالحلول وغيره من شعوذات المتصوفة وتجاوزاتهم كعمر بن الفارض. كما يتزايد شعر المديح النَّبويّ، وأشعار الزهد. وكانت هذه التيارات الشعرية رجعًا قويًا للمحن الثقال التي تعرضت لها الأمة علي أيدي الصليبيين والمغول. وأبرز شعراء التيار الديني: البوصيري شاعر المديح النبوي في مصر وعفيف الدين التلمساني وعبد الغني النابلسي في ديار الشام.
وفي العصر الحديث، ينشد محمود سامي البارودي قصائد دينية في مديح رسول الله ³، ويضمّن هذا المديح شكواه أثناء منفاه في سرنديب، كما يضمنه بعض آرائه في فلسفة الحرب فيقول مثلاً:
ذاقوا الردى جرعًا فاستسلموا جزعًا للصلح، والحرب مرقاةٌ إلى السِّلْم

أما أحمد شوقي فمدائحه تعبِّر عن آرائه الإصلاحية في الدين والحياة، فيقول مثلاً مخاطبًا النبي:
والحرب في حقٍ لديك شريعة ومن السموم الناقعات دواء

الحكمة. شعر الحكمة هو ذلك الشعر الذي تضمن خلاصة مالدى الشعراء من تجارب العقل والحياة. ويعد زهير أشهر شعراء الحكمة في العصر الجاهلي، ومعلقته الشهيرة مزيج من المديح لهرم بن سنان والحارث بن عوف، ووصف أهوال الحروب ومفاسدها، رغبة منه في إقناع المتحاربين بالمصالحة والسلام، في أسلوب من الحكمة التي تمنح معلقته بعدًا إنسانيًا رفيعًا. ولم تخل حكمة شعراء الجاهلية من تسجيل أفكار العرب في هذه الحقبة وتصوير مثلهم وتجارب حياتهم.
ولا شك أنَّ الكثير مما سجله شعراء الإسلام، في عصر النبوة خاصة، حافل بآراء إسلامية عن العقيدة تعد هي الأخرى من قبيل الحكمة.
ويأتي العصر العباسي فيلقانا ثلاثة من فحول شعرائه في الحكمة: أبو تمام والمتنبي وأبو العلاء المعري.
وتبدو الحكمة عند أبي تمام ثمرة ثقافاته الواسعة التي تمخض عنها العصر، وهي تتناثر في مدائحه وحماسياته ومراثيه في ابنيه وزوجته وابن حميد الطوسي، بل في غزله ونسيبه.
وأبو تمام هو الذي ترك ميراثه من الحكمة خاصة يفيد منه أبو الطيب المتنبي، ويتمثله بقريحته العبقرية ويمضي بالحكمة أشواطًا بعيدة ، وكان المتنبي شديد الشغف بشعر أبي تمام لا يكاد يفارق ديوان شعره في أسفاره، ولا شك أنه بما أوتي من ثقافات عصره، وهي غزيرة متنوعة، قد أصاب حظًا أوفر من الحكمة في شعره: عمقًا وجمال صياغة. وهي تتناثر في أشعاره المختلفة الأغراض. والمتنبي وإن أفاد من حكماء العرب واليونان، فإنه كان نسيجَ وحدِه بلا مدافع. أما أبو العلاء المعري فقد تحولت الحكمة لديه إلى فلسفة أوسع مدى وأعمق.

رثاء المدن والممالك. عرف الأدب العربي رثاء المدن غرضًا أدبيا في شعره ونثره. وهو لون من التعبير يعكس طبيعة التقلبات السياسية التي تجتاج عصور الحكم في مراحل مختلفة.
وهذا النوع من الرثاء لا يقف في حدود عند رثاء المدن وحدها حين يصيبها الدمار والتخريب ولكنه يتجاوز ذلك إلى رثاء الممالك تارة والعصور تارة أخرى. بل قد يرثي الدولة بأسرها؛ كما حدث ذلك في الأندلس. وقد تميز هذا الغرض من رثاء المدن في الشعر أكثر من تميزه في النثر.
ويُعد رثاء المدن من الأغراض الأدبية المحدثة، ذلك أن الجاهلي لم تكن له مدنٌ يبكي على خرابها، فهو ينتقل في الصحراء الواسعة من مكان إلى آخر، وإذا ألم بمدن المناذرة والغساسنة فهو إلمام عابر. ولعل بكاء الجاهلي على الربع الدارس والطلل الماحل هو لون من هذه العاطفة المعبّرة عن درس المكان وخرابه.
رثاء المدن في المشرق. عرف المشرق قدرا من هذا الرثاء شعرًا، عندما تعرضت عاصمة الخلافة العباسية للتدمير والخراب خلال الفتنة التي وقعت بين الأمين والمأمون. فنهبت بغداد وهتكت أعراض أهلها واقتحمت دورهم، ووجد السّفلة والأوباش مناخًا صالحا ليعيثوا فسادا ودمارا. وقد عبر الشاعر أبو يعقوب إسحاق الخريمي، وهو شاعر خامل الذكر، عن هذه النَّكبة في مرثيته لبغداد فقال:
يابؤس بغداد دار مملكة دارت على أهلها دوائرها
أمهلها الله ثم عاقبها حين أحاطت بها كبائرها
بالخسف والقذف والحريق وبالحرب التي أضحت تساورها
حلّت ببغداد وهي آمـنة داهية لم تكن تحاذرهـا

ثم كان خراب البصرة على يد الزنج في ثورتها المشهورة. فأشعلوا فيها الحرائق وحولوها إلى أنقاض ودمار، فوقف الشاعر ابن الرومي مذهولا بما حدث فقال:
كم أخ قد رأى أخاه صريعا تَرِبَ الخد بين صرعى كرام
كم مفدّى في أهله أسلموه حين لم يحْمه هنالك حامي
كم رضيع هناك قد فطموه بشبا السيف قبل حدّ الفطام

وبالإضافة إلى هاتين المرثيتين، حفل ديوان رثاء المدن في المشرق، بطائفة من القصائد تتحدث عن تلك المدن التي اسقطها هولاكو وتيمور لنك.
وكذلك استثارت نكبة بغداد على يد هولاكو عاطفة عدد من الشعراء مثل شمس الدين الكوفي، ومن أبياته قوله:
إن لم تقرّح أدمعي أجفاني من بَعْدِ بُعْدِكُمُ فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم ما راقـه نظــــر إلى إنســان
مالي وللأيام شتت خطبها شملي وخــلاني بلا خلان
ما للمنازل أصبحت لا أهلها أهلي ولا جيرانهــا جيـراني

وتعد مرثبة الشيخ تقي الدين إسماعيل بن إبراهيم التنوخي في القرن السابع الهجري أشهر مراثي بغداد حين خربها هولاكو. يقول في آخر القصيدة:
إن القيامة في بغداد قد وجدت وحدّها حين للإقبال إ
همسة امل
همسة امل
♣ عدد المشاركات : 25
♣ وطني الغالي : السعودية
♣ مزاجي : تصميم انعم مصممة
♣ Sms : نحبك يا أحلى مملكة
♣ تم تقيمي : 1009629
♣ تم شكري : 2

اكبر موسوعة بالتعريف بالشعر وفنونة واغراضة من العصر الج Empty رد: اكبر موسوعة بالتعريف بالشعر وفنونة واغراضة من العصر الج

الجمعة يناير 21, 2011 8:30 pm
اكبر موسوعة بالتعريف بالشعر وفنونة واغراضة من العصر الج 241906
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى