- قلب ينبض بحب الله
- ♣ عدد المشاركات : 41
♣ وطني الغالي : السعودية
♣ مزاجي :
♣ Sms :
♣ تم تقيمي : 1015661
♣ تم شكري : 3
التقديم والتأخير في القرآن
الثلاثاء يونيو 28, 2011 11:35 pm
التقديم والتأخير في القرآن
مقدمة:
من المسلَّم به أن الكلام يتألف من كلمات أو أجزاء , وليس من الممكن النطق بأجزاء أي كلام دفعة واحدة. من أجل ذلك كان لا بد عند النطق بالكلام من تقديم بعضه وتأخير بعضه الآخر. وليس شيء من أجزاء الكلام في حد ذاته أولى بالتقديم من الآخر. لأن جميع الألفاظ من حيث هي ألفاظ تشترك في درجة الاعتبار, هذا بعد مراعاة ما تجب له الصدارة كألفاظ الشرط والاستفهام. وعلى هذا فتقديم جزء من الكلام أو تأخيره لا يرد اعتباطاً في نظم الكلام, وتأليفه وإنما يكون عملاً مقصوداً يقتضيه غرض بلاغي أو داع من دواعيها .
إن ما يدعو بلاغياً إلى تقديم جزء من الكلام هو ذاته ما يدعو بلاغياً إلى تأخير الجزء الآخر. وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يكون هناك مبرر لاختصاص كل من المسند إليه والمسند بدواع خاصة عند تقديم أحدهما أو تأخيره عن الآخر, لأنه إذا تقدم أحد ركني الجملة تأخر الآخر, فهما متلازمان.
إن تقديم الألفاظ بعضها على بعض له أسباب عديدة يقتضيها المقام وسياق القول، يجمعها قولهم: إن التقديم إنما يكون للعناية والاهتمام. فما كانت به عنايتك أكبر قدمته في الكلام. والعناية باللفظة لا تكون من حيث أنها لفظة معينة بل قد تكون العناية بحسب مقتضى الحال. ولذا كان عليك أن تقدم كلمة في موضع ثم تؤخرها في موضع آخر لأن مراعاة مقتضى الحال تقتضي ذاك. والقرآن أعلى مثل في ذلك فإنا نراه يقدم لفظة مرة ويؤخرها مرة أخرى على حسب المقام. فنراه مثلاً يقدم السماء على الأرض ومرة يقدم الأرض على السماء ومرة يقدم الإنس على الجن ومرة يقدم الجن على الإنس ومرة يقدم الضر على النفع ومرة يقدم النفع على الضر كل ذلك بحسب ما يقتضيه القول وسياق التعبير.
فإذا قيل لك مثلاً: لماذا قدم السماء على الأرض هنا؟ قلت: لأن الاهتمام بالسماء أكبر, ثم إذا قيل لك ولماذا قدم الأرض على السماء في هذه الآية قلت لأن الاهتمام بالأرض هنا أكبر، فإذا قيل: ولماذا كان الاهتمام بالسماء هناك أكبر وكان الاهتمام بالأرض هنا أكبر؟ وجب عليك أن تبين سبب ذلك وبيان الاختلاف بين الموطنين بحيث تبين أنه لا يصح أو لا يحسن تقديم الأرض على السماء فيما قدمت فيه السماء أو تقديم السماء على الأرض فيما قدمت فيه الأرض بياناً شافياً. وكذلك بقية المواطن الأخرى, ولم يكتف القرآن الكريم بمراعاة السياق الذي وردت فيه فحسب بل راعى جميع المواضع التي وردت فيها اللفظة ونظر إليها نظرة واحدة شاملة في القرآن الكريم كله. فنرى التعبير متسقاً متناسقاً مع غيره من التعبيرات.
أسباب التقديم والتأخير في القرآن :
قال السيوطي: أما أسباب التقديم والتأخير وأسراره فقد ظهر لي منها في الكتاب العزيز عشرة أنواع :
الأول: التبرك كتقديم اسم الله في الأمور ذوات الشأن .ومنه قوله: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَا ﴾[آل عمران:18].
الثاني: التعظيم ,كقوله: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ ﴾[النساء:69]
الثالث: التشريف, كتقديم الذكر على الأنثى في نحو: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات﴾ [الأحزاب:35]الآية. والحي في قوله: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ... ﴾[الروم:19], والخيل في قوله:﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾[النحل:8], والسمع في قوله: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَاد﴾ [الإسراء:36].
حكى ابن عطية عن النقاش أنه استدل بها على تفضيل السمع على البصر, ولذا وقع في سمعه تعالى: ﴿ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[الحج:61]بتقديم السمع. وتقديم موسى على هارون لاصطفائه بالكلام وتقديم المؤمنين على الكفار في كل موضع, وأصحاب اليمين على أصحاب الشمال, والسماء على الأرض, والشمس على القمر, ومنه تقديم الغيب على الشهادة في قوله :﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة﴾[المؤمنون:92]لأن علمه أشرف.
الرابع: المناسبة, وهي إما مناسبة المتقدم لسياق الكلام,كقوله: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾[النحل:6]فإن الجمال بالجمال وإن كان ثابتاً حالتي السراح والإراحة إلا أنها حالة إراحتها, وهو مجيئها من المرعى آخر النهار, يكون الجمال فيها أفخر؛ إذ هي فيه بطان, وحالة سراحها للرعي أول النهار يكون الجمال بها دون الأول؛ إذ هي فيه خماص.
الخامس: الحث عليه والحض على القيام به حذراً من التهاون به؛ كتقديم الوصية على الدين في قوله:﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن﴾[النساء:11]مع أن الدين مقدم عليها شرعاً.
السادس: السبق, وهو إما في الزمان باعتبار الإيجاد؛ كتقديم الليل على النهار, والظلمات على النور,وآدم على نوح ,ونوح على إبراهيم ,وإبراهيم على موسى ,وهو على عيسى, وداود على سليمان ,والملائكة على البشر في قوله:﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاس﴾[الحج:75], والأزواج على الذرية في قوله: ﴿ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِك﴾[الأحزاب:59], والسِنة على النوم في قوله:﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾[البقرة:255], أو باعتبار الإنزال,كقوله:﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾[الأعلى:19], ﴿ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَان﴾[آل عمران:3،4], أو باعتبار الوجوب والتكليف،نحو:﴿ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾[الحج:77], أو بالذات, نحو:﴿ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾[المجادلة:7], وأما قوله:﴿ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾[سبأ:46] فللحث على الجماعة والاجتماع على الخير.
السابع: السببية؛ كتقديم العزيز على الحكيم؛ لأنه عز فحكم, والعليم عليه؛لأن الإحكام والإتقان ناشئ عن العلم. ومنه تقديم العبادة على الاستعانة في سورة الفاتحة؛ لأنها سبب حصول الإعانة وكذا قوله:﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[البقرة:222]لأن التوبة سبب للطهارة.
الثامن: الكثرة,كقوله:﴿ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِن﴾[التغابن:2]لأن الكفار أكثر, قلت فقدمهم على المؤمنين. قيل: وقدم السارق على السارقة؛ لأن السرقة في الذكور أكثر.والزانية على الزاني فيهن أكثر. ونحو قوله:﴿ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود ﴾ [البقرة:125] فكل طائفة هي أقل من التي بعدها فتدرج من القلة إلى الكثرة. فالطائفون أقل من العاكفين لأن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة. والعكوف يكون في المساجد عموماً والعاكفون أقل من الراكعين لأن الركوع أي الصلاة تكون في كل أرض طاهرة أما العكوف فلا يكون إلا في المساجد . والراكعون أقل من الساجدين وذلك لأن لكل ركعة سجدتين ثم إن كل راكع لا بد أن يسجد وقد يكون سجوداً ليس فيه ركوع كسجود التلاوة وسجود الشكر فهو هنا تدرج من القلة إلى الكثرة. ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام فإن الكلام على بيت الله الحرام. قال تعالى:﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود ﴾ [البقرة:125], فالطائفون هم ألصق المذكورين بالبيت لأنهم يطوفون حوله، فبدأ بهم ثم تدرج إلى العاكفين في هذا البيت أو في بيوت الله عموماً ثم الركع السجود الذين يتوجهون إلى هذا البيت في ركوعهم وسجودهم في كل الأرض.
ونحوه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الحج:77], فبدأ بالركوع وهو أقل المذكورات ثم السجود وهو أكثر ثم عبادة الرب وهي أعمّ ثم فعل الخير.
وقد يكون الكلام بالعكس فيتدرج من الكثرة إلى القلة وذلك نحو قوله تعالى:﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾[آل عمران:43] فبدأ بالقنوت وهو عموم العبادة ثم السجود وهو أخص وأقل من عموم العبادة التي هي القنوت ثم الركوع وهو أقل وأخص منهما.
التاسع:الترقي من الأدنى إلى الأعلى,كقوله:﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا....﴾[الأعراف:195]الآية, بدأ بالأدنى لغرض الترقي, لأن اليد أشرف من الرجل والعين أشرف من اليد والسمع أشرف من البصر.
العاشر:التدلي من الأعلى إلى الأدنى, كقوله:﴿ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف:49]﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم﴾[البقرة:255].
وزاد غيره أسباباً أخر؛ منها كونه أدل على القدرة وأعجب؛ كقوله:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[النور:45].وقوله:﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ﴾[الأنبياء:79].
قال الزمخشري: قدم الجبال على الطير؛ لأن تسخيرها له وتسبيحها له أعجب, وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز؛ لأنها جماد، والطير حيوان ناطق.
وقد يكون التقديم لغرض آخر كالمدح والثناء والتعظيم والتحقير وغير ذلك من الأغراض، إلا أن الأكثر فيه أنه يفيد الاختصاص. ومن التقديم الذي لا يفيد الاختصاص قوله تعالى:﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ﴾[الأنعام:84] فهذا ليس من باب التخصيص إذ ليس معناه أننا ما هدينا إلا نوحاً وإنما هو من باب المدح والثناء. ونحو قوله:﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾[الضحى:9,10] إذ ليس المقصود به جواز قهر غير اليتيم ونهر غير السائل وإنما هو من باب التوجيه فإن اليتيم ضعيف وكذلك السائل وهما مظنة القهر فقدمهما للاهتمام بشأنهما والتوجيه إلى عدم استضعافهما.
استثناء من الاضطراد:
مر بنا أن التقديم والتأخير جاء في القرآن لأسباب قد بيناها وهي تكاد أن تكون قواعد مطردة ولكن قد تشذ تلك القواعد شيئاً بسيطاً عن الاطراد المعهود, سنبينها باختصار مع بيان أسباب ذلك: فقد قدم هارون على موسى في سورة طه رعاية للفاصلة لأن المعهود المطرد تقديم موسى على هارون, وأما تقديم الأنعام في قوله:﴿ تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُم﴾[السجدة:27]فلأنه تقدم ذكر الزرع ,فناسب تقديم الأنعام ,بخلاف آية عبس فإنه تقدم فيها :﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾[عبس:24]فناسب تقديم (لكم).
وهكذا لو تقصينا الألفاظ التي تأخرت عن تقديمها المعهود لوجدنا الحكمة في ذلك واضحة جلية وليس المراد في هذا البحث استقصاء كل شاردة وواردة وإنما وضع لمسات بيانية يتضح منها المقصود علماً أنني قد أوردت في ثنايا هذا البحث بعض تلك الاستثناءات تجدها في مضانها والله تعالى أعلم .
السمع قبل البصر:
ورد في القرآن الكريم لفظي السمع و البصر معاً ( 19) تسعة عشر مرةً ، و ذكر في (17) سبعة عشر موضعاً لفظة السمع قبل البصر وقد بينا في أسباب التقديم والتأخير أن من بينها (التشريف) أي أن الله سبحانه قدم لفظة السمع على البصر لشرف السمع وأهميته ولا يخفى على أحد ممن تدبر وتأمل في هذه الحاسة العجيبة ولكن لنرى ما يقوله أصحاب الاختصاص :
1 ـ تبدأ وظيفة السمع بالعمل قبل وظيفة الإبصار. فقد تبين أن الجنين يبدأ بالسمع في نهاية الحمل وقد تأكد العلماء من ذلك بإجراء بعض التجارب حيث أصدروا بعض الأصوات القوية بجانب امرأة حامل في آخر أيام حملها، فتحرك الجنين استجابة لتلك الأصوات، بينما لا تبدأ عملية الإبصار إلا بعد الولادة بأيام، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ [الإنسان:2]
2- ومن الحقائق التي تجعل السمع أكبر أهمية من البصر هي أن تعلّم النطق يتم عن طريق السمع بالدرجة الأولى، وإذا ولد الإنسان وهو أصم، فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي, و يحدث لديه قصور عقلي وتردٍ في مدركاته وذهنه ووعيه. وهناك الكثير من الذين حرموا نعمة البصر وهم صغار أو منذ الولادة ومع ذلك فقد حصلّوا درجة راقية من الإدراك والعلم حتى الإبداع, ولكننا نجد ذلك قليلاً – بل يكاد ينعدم- فيمن ولد وهو أصم، أو فقد سمعه في سنوات عمره الأولى. وذلك لأن التعلم والفهم يتعلقان لدرجة كبيرة بالسمع، والذي يفقد سمعه قبل النطق لا ينطق. ولذلك ربطت الآية القرآنية العلم بالسمع أولاً ثم البصر فقال تعالى:﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة لعلكم تشكرون﴾[النحل:78].
3 ـ العين مسئولة عن وظيفة البصر أما الأذن فمسئولة عن وظيفة السمع والتوازن. و قد تكون العبرة في هذا الترتيب أكثر من ذلك. و الله أعلم بمراده.
ويمكن أن يكون تقديم السمع على البصر لسبب آخر عدا الأفضلية وهو أن مدى السمع أقل من مدى الرؤية فقدم ذا المدى الأقل متدرجاً من القصر إلى الطول في المدى ولذا حين قال موسى في فرعون ﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى﴾[طه:45] قال الله تعالى :﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:46] فقدم السمع لأنه يوحي بالقرب إذ الذي يسمعك يكون في العادة قريباً منك بخلاف الذي يراك فإنه قد يكون بعيداً وإن كان الله لا يند عن سمعه شيء.
قلت وكذلك فإن السمع لا يمنعه الحاجز المادي من أداء عمله بخلاف البصر فإنه تمنعه الحواجز من إدراك الأشياء والله أعلم .
السمع قبل العلم :
وقع في القرآن الكريم تقدم السمع على العلم كذلك كقوله تعالى:﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:137], وقوله:﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الأنفال:61], وذلك أنه خبر يتضمن التخويف والتهديد, فبدأ بالسمع لتعلقه بالأصوات وهمس الحركات فإن من سمع حسك وخفي صوتك أقرب إليك في العادة ممن يقال لك: إنه يعلم وإن كان علمه تعالى متعلقاً بما ظهر وبطن، ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم. ويمكن أن يقال: إن السمع من وسائل العلم فهو يسبقه.
نماذج من بلاغة القرآن :
1- نقرأ في وصف المنافقين, وفي وصف الكافرين, هاتين الآيتين من سورة البقرة ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾[البقرة:18]﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾[البقرة:171] وتقديم الصم, هنا جاء في غاية الإحكام, لأن بداية ضلال أولئك الأقوام حينما أصاخوا بسمعهم عن آيات الله التي تتلى عليهم .
ونقرأ في مشهد من مشاهد يوم القيامة عن أولئك الذين ضلوا سواء السبيل ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّا﴾[الإسراء:97]لقد تغيرت الصورة هنا. لذلك تغير معها نسق القول, ذلك لأن السماع لم ينفع أولئك الناس يوم القيامة شيئاً ولا يعود عليهم بخير, ثم إن العمى من أشد الأمور مشقة وأكثرها صعوبة عليهم في ذلك اليوم .
2- تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن الجن والإنس, ولكن الذي يلفت الانتباه, ما نجده في النظم القرآني البديع, من تقديم الجن تارة, وتقديم الإنس أخرى, وهذا ما يستدعيه السياق, وتوجيه الحكمة البيانية, ففي سياق التحدي بالقرآن الكريم, يقدم الإنس على الجن, لأن الإنس هم المقصودون بالتحدي أولاً وقبل كل شيء, قال تعالى:﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا﴾[الإسراء:88]
أما في سياق التحدي بالنفوذ من أقطار السموات والأرض, فلقد قدم الجن؛ لأنهم أقدر على الحركة من الإنس. قال تعالى:﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾[الرحمن:33] والدليل على أن الجن أقدر من الإنس في مجال الحركة هو قوله تعالى في سورة الجن :﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾[الجن 8 ـ 9].
أما قوله سبحانه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾[الذاريات:56] فلقد قدم الجن على الإنس؛ لأنه قد روعي السبق الزمني, فإن الجن مخلوقون قبل الإنس.
قلت: والدليل على أن الجن مخلوقون قبل الإنس قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ*وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾[الحجر:26,27]
3 - تقديم لفظ الضرر على النفع وبالعكس: حيث تقدم النفع على الضر فلتقدم ما يتضمن النفع. قال تعالى:﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّه﴾[الأعراف:188] فقدم النفع على الضرر وذلك لأنه تقدمه قوله:﴿ مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[الأعراف:178] فقدم الهداية على الضلال وبعد ذلك قال:﴿ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف:188] فقدم الخير على السوء ولذا قدم النفع على الضرر إذ هو المناسب للسياق.
وقال تعالى:﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّه ﴾ [يونس:49] فقدم الضرر على النفع وقد قال قبل هذه الآية :﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾[يونس:11] وقال:﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾[يونس:12] فقدم الضر على النفع في الآيتين. ويأتي بعد هذه الآية قوله:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُون ﴾[يونس:50]فكان المناسب تقديم الضرر على النفع ههنا.
وقال:﴿ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ﴾[الرعد:16]فقدّم النفع على الضرر، قالوا: وذلك لتقدم قوله تعالى:﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾ [الرعد:15] فقدم الطوع على الكره. وقال:﴿ فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّا ﴾ [سبأ:42]فقدم النفع على الضر قالوا: وذلك لتقدم قوله:﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين﴾ [سبأ:39] فقدم البسط. وغير ذلك من مواضع هاتين اللفظتين.
منقول للفائدة
مقدمة:
من المسلَّم به أن الكلام يتألف من كلمات أو أجزاء , وليس من الممكن النطق بأجزاء أي كلام دفعة واحدة. من أجل ذلك كان لا بد عند النطق بالكلام من تقديم بعضه وتأخير بعضه الآخر. وليس شيء من أجزاء الكلام في حد ذاته أولى بالتقديم من الآخر. لأن جميع الألفاظ من حيث هي ألفاظ تشترك في درجة الاعتبار, هذا بعد مراعاة ما تجب له الصدارة كألفاظ الشرط والاستفهام. وعلى هذا فتقديم جزء من الكلام أو تأخيره لا يرد اعتباطاً في نظم الكلام, وتأليفه وإنما يكون عملاً مقصوداً يقتضيه غرض بلاغي أو داع من دواعيها .
إن ما يدعو بلاغياً إلى تقديم جزء من الكلام هو ذاته ما يدعو بلاغياً إلى تأخير الجزء الآخر. وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يكون هناك مبرر لاختصاص كل من المسند إليه والمسند بدواع خاصة عند تقديم أحدهما أو تأخيره عن الآخر, لأنه إذا تقدم أحد ركني الجملة تأخر الآخر, فهما متلازمان.
إن تقديم الألفاظ بعضها على بعض له أسباب عديدة يقتضيها المقام وسياق القول، يجمعها قولهم: إن التقديم إنما يكون للعناية والاهتمام. فما كانت به عنايتك أكبر قدمته في الكلام. والعناية باللفظة لا تكون من حيث أنها لفظة معينة بل قد تكون العناية بحسب مقتضى الحال. ولذا كان عليك أن تقدم كلمة في موضع ثم تؤخرها في موضع آخر لأن مراعاة مقتضى الحال تقتضي ذاك. والقرآن أعلى مثل في ذلك فإنا نراه يقدم لفظة مرة ويؤخرها مرة أخرى على حسب المقام. فنراه مثلاً يقدم السماء على الأرض ومرة يقدم الأرض على السماء ومرة يقدم الإنس على الجن ومرة يقدم الجن على الإنس ومرة يقدم الضر على النفع ومرة يقدم النفع على الضر كل ذلك بحسب ما يقتضيه القول وسياق التعبير.
فإذا قيل لك مثلاً: لماذا قدم السماء على الأرض هنا؟ قلت: لأن الاهتمام بالسماء أكبر, ثم إذا قيل لك ولماذا قدم الأرض على السماء في هذه الآية قلت لأن الاهتمام بالأرض هنا أكبر، فإذا قيل: ولماذا كان الاهتمام بالسماء هناك أكبر وكان الاهتمام بالأرض هنا أكبر؟ وجب عليك أن تبين سبب ذلك وبيان الاختلاف بين الموطنين بحيث تبين أنه لا يصح أو لا يحسن تقديم الأرض على السماء فيما قدمت فيه السماء أو تقديم السماء على الأرض فيما قدمت فيه الأرض بياناً شافياً. وكذلك بقية المواطن الأخرى, ولم يكتف القرآن الكريم بمراعاة السياق الذي وردت فيه فحسب بل راعى جميع المواضع التي وردت فيها اللفظة ونظر إليها نظرة واحدة شاملة في القرآن الكريم كله. فنرى التعبير متسقاً متناسقاً مع غيره من التعبيرات.
أسباب التقديم والتأخير في القرآن :
قال السيوطي: أما أسباب التقديم والتأخير وأسراره فقد ظهر لي منها في الكتاب العزيز عشرة أنواع :
الأول: التبرك كتقديم اسم الله في الأمور ذوات الشأن .ومنه قوله: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَا ﴾[آل عمران:18].
الثاني: التعظيم ,كقوله: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ ﴾[النساء:69]
الثالث: التشريف, كتقديم الذكر على الأنثى في نحو: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات﴾ [الأحزاب:35]الآية. والحي في قوله: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ... ﴾[الروم:19], والخيل في قوله:﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾[النحل:8], والسمع في قوله: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَاد﴾ [الإسراء:36].
حكى ابن عطية عن النقاش أنه استدل بها على تفضيل السمع على البصر, ولذا وقع في سمعه تعالى: ﴿ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾[الحج:61]بتقديم السمع. وتقديم موسى على هارون لاصطفائه بالكلام وتقديم المؤمنين على الكفار في كل موضع, وأصحاب اليمين على أصحاب الشمال, والسماء على الأرض, والشمس على القمر, ومنه تقديم الغيب على الشهادة في قوله :﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة﴾[المؤمنون:92]لأن علمه أشرف.
الرابع: المناسبة, وهي إما مناسبة المتقدم لسياق الكلام,كقوله: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾[النحل:6]فإن الجمال بالجمال وإن كان ثابتاً حالتي السراح والإراحة إلا أنها حالة إراحتها, وهو مجيئها من المرعى آخر النهار, يكون الجمال فيها أفخر؛ إذ هي فيه بطان, وحالة سراحها للرعي أول النهار يكون الجمال بها دون الأول؛ إذ هي فيه خماص.
الخامس: الحث عليه والحض على القيام به حذراً من التهاون به؛ كتقديم الوصية على الدين في قوله:﴿ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن﴾[النساء:11]مع أن الدين مقدم عليها شرعاً.
السادس: السبق, وهو إما في الزمان باعتبار الإيجاد؛ كتقديم الليل على النهار, والظلمات على النور,وآدم على نوح ,ونوح على إبراهيم ,وإبراهيم على موسى ,وهو على عيسى, وداود على سليمان ,والملائكة على البشر في قوله:﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاس﴾[الحج:75], والأزواج على الذرية في قوله: ﴿ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِك﴾[الأحزاب:59], والسِنة على النوم في قوله:﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾[البقرة:255], أو باعتبار الإنزال,كقوله:﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾[الأعلى:19], ﴿ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَان﴾[آل عمران:3،4], أو باعتبار الوجوب والتكليف،نحو:﴿ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾[الحج:77], أو بالذات, نحو:﴿ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ﴾[المجادلة:7], وأما قوله:﴿ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾[سبأ:46] فللحث على الجماعة والاجتماع على الخير.
السابع: السببية؛ كتقديم العزيز على الحكيم؛ لأنه عز فحكم, والعليم عليه؛لأن الإحكام والإتقان ناشئ عن العلم. ومنه تقديم العبادة على الاستعانة في سورة الفاتحة؛ لأنها سبب حصول الإعانة وكذا قوله:﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾[البقرة:222]لأن التوبة سبب للطهارة.
الثامن: الكثرة,كقوله:﴿ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِن﴾[التغابن:2]لأن الكفار أكثر, قلت فقدمهم على المؤمنين. قيل: وقدم السارق على السارقة؛ لأن السرقة في الذكور أكثر.والزانية على الزاني فيهن أكثر. ونحو قوله:﴿ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود ﴾ [البقرة:125] فكل طائفة هي أقل من التي بعدها فتدرج من القلة إلى الكثرة. فالطائفون أقل من العاكفين لأن الطواف لا يكون إلا حول الكعبة. والعكوف يكون في المساجد عموماً والعاكفون أقل من الراكعين لأن الركوع أي الصلاة تكون في كل أرض طاهرة أما العكوف فلا يكون إلا في المساجد . والراكعون أقل من الساجدين وذلك لأن لكل ركعة سجدتين ثم إن كل راكع لا بد أن يسجد وقد يكون سجوداً ليس فيه ركوع كسجود التلاوة وسجود الشكر فهو هنا تدرج من القلة إلى الكثرة. ولهذا التدرج سبب اقتضاه المقام فإن الكلام على بيت الله الحرام. قال تعالى:﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود ﴾ [البقرة:125], فالطائفون هم ألصق المذكورين بالبيت لأنهم يطوفون حوله، فبدأ بهم ثم تدرج إلى العاكفين في هذا البيت أو في بيوت الله عموماً ثم الركع السجود الذين يتوجهون إلى هذا البيت في ركوعهم وسجودهم في كل الأرض.
ونحوه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[الحج:77], فبدأ بالركوع وهو أقل المذكورات ثم السجود وهو أكثر ثم عبادة الرب وهي أعمّ ثم فعل الخير.
وقد يكون الكلام بالعكس فيتدرج من الكثرة إلى القلة وذلك نحو قوله تعالى:﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾[آل عمران:43] فبدأ بالقنوت وهو عموم العبادة ثم السجود وهو أخص وأقل من عموم العبادة التي هي القنوت ثم الركوع وهو أقل وأخص منهما.
التاسع:الترقي من الأدنى إلى الأعلى,كقوله:﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا....﴾[الأعراف:195]الآية, بدأ بالأدنى لغرض الترقي, لأن اليد أشرف من الرجل والعين أشرف من اليد والسمع أشرف من البصر.
العاشر:التدلي من الأعلى إلى الأدنى, كقوله:﴿ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾ [الكهف:49]﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم﴾[البقرة:255].
وزاد غيره أسباباً أخر؛ منها كونه أدل على القدرة وأعجب؛ كقوله:﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[النور:45].وقوله:﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ﴾[الأنبياء:79].
قال الزمخشري: قدم الجبال على الطير؛ لأن تسخيرها له وتسبيحها له أعجب, وأدل على القدرة وأدخل في الإعجاز؛ لأنها جماد، والطير حيوان ناطق.
وقد يكون التقديم لغرض آخر كالمدح والثناء والتعظيم والتحقير وغير ذلك من الأغراض، إلا أن الأكثر فيه أنه يفيد الاختصاص. ومن التقديم الذي لا يفيد الاختصاص قوله تعالى:﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ﴾[الأنعام:84] فهذا ليس من باب التخصيص إذ ليس معناه أننا ما هدينا إلا نوحاً وإنما هو من باب المدح والثناء. ونحو قوله:﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾[الضحى:9,10] إذ ليس المقصود به جواز قهر غير اليتيم ونهر غير السائل وإنما هو من باب التوجيه فإن اليتيم ضعيف وكذلك السائل وهما مظنة القهر فقدمهما للاهتمام بشأنهما والتوجيه إلى عدم استضعافهما.
استثناء من الاضطراد:
مر بنا أن التقديم والتأخير جاء في القرآن لأسباب قد بيناها وهي تكاد أن تكون قواعد مطردة ولكن قد تشذ تلك القواعد شيئاً بسيطاً عن الاطراد المعهود, سنبينها باختصار مع بيان أسباب ذلك: فقد قدم هارون على موسى في سورة طه رعاية للفاصلة لأن المعهود المطرد تقديم موسى على هارون, وأما تقديم الأنعام في قوله:﴿ تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُم﴾[السجدة:27]فلأنه تقدم ذكر الزرع ,فناسب تقديم الأنعام ,بخلاف آية عبس فإنه تقدم فيها :﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾[عبس:24]فناسب تقديم (لكم).
وهكذا لو تقصينا الألفاظ التي تأخرت عن تقديمها المعهود لوجدنا الحكمة في ذلك واضحة جلية وليس المراد في هذا البحث استقصاء كل شاردة وواردة وإنما وضع لمسات بيانية يتضح منها المقصود علماً أنني قد أوردت في ثنايا هذا البحث بعض تلك الاستثناءات تجدها في مضانها والله تعالى أعلم .
السمع قبل البصر:
ورد في القرآن الكريم لفظي السمع و البصر معاً ( 19) تسعة عشر مرةً ، و ذكر في (17) سبعة عشر موضعاً لفظة السمع قبل البصر وقد بينا في أسباب التقديم والتأخير أن من بينها (التشريف) أي أن الله سبحانه قدم لفظة السمع على البصر لشرف السمع وأهميته ولا يخفى على أحد ممن تدبر وتأمل في هذه الحاسة العجيبة ولكن لنرى ما يقوله أصحاب الاختصاص :
1 ـ تبدأ وظيفة السمع بالعمل قبل وظيفة الإبصار. فقد تبين أن الجنين يبدأ بالسمع في نهاية الحمل وقد تأكد العلماء من ذلك بإجراء بعض التجارب حيث أصدروا بعض الأصوات القوية بجانب امرأة حامل في آخر أيام حملها، فتحرك الجنين استجابة لتلك الأصوات، بينما لا تبدأ عملية الإبصار إلا بعد الولادة بأيام، قال تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً﴾ [الإنسان:2]
2- ومن الحقائق التي تجعل السمع أكبر أهمية من البصر هي أن تعلّم النطق يتم عن طريق السمع بالدرجة الأولى، وإذا ولد الإنسان وهو أصم، فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي, و يحدث لديه قصور عقلي وتردٍ في مدركاته وذهنه ووعيه. وهناك الكثير من الذين حرموا نعمة البصر وهم صغار أو منذ الولادة ومع ذلك فقد حصلّوا درجة راقية من الإدراك والعلم حتى الإبداع, ولكننا نجد ذلك قليلاً – بل يكاد ينعدم- فيمن ولد وهو أصم، أو فقد سمعه في سنوات عمره الأولى. وذلك لأن التعلم والفهم يتعلقان لدرجة كبيرة بالسمع، والذي يفقد سمعه قبل النطق لا ينطق. ولذلك ربطت الآية القرآنية العلم بالسمع أولاً ثم البصر فقال تعالى:﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة لعلكم تشكرون﴾[النحل:78].
3 ـ العين مسئولة عن وظيفة البصر أما الأذن فمسئولة عن وظيفة السمع والتوازن. و قد تكون العبرة في هذا الترتيب أكثر من ذلك. و الله أعلم بمراده.
ويمكن أن يكون تقديم السمع على البصر لسبب آخر عدا الأفضلية وهو أن مدى السمع أقل من مدى الرؤية فقدم ذا المدى الأقل متدرجاً من القصر إلى الطول في المدى ولذا حين قال موسى في فرعون ﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى﴾[طه:45] قال الله تعالى :﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾ [طه:46] فقدم السمع لأنه يوحي بالقرب إذ الذي يسمعك يكون في العادة قريباً منك بخلاف الذي يراك فإنه قد يكون بعيداً وإن كان الله لا يند عن سمعه شيء.
قلت وكذلك فإن السمع لا يمنعه الحاجز المادي من أداء عمله بخلاف البصر فإنه تمنعه الحواجز من إدراك الأشياء والله أعلم .
السمع قبل العلم :
وقع في القرآن الكريم تقدم السمع على العلم كذلك كقوله تعالى:﴿ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:137], وقوله:﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾[الأنفال:61], وذلك أنه خبر يتضمن التخويف والتهديد, فبدأ بالسمع لتعلقه بالأصوات وهمس الحركات فإن من سمع حسك وخفي صوتك أقرب إليك في العادة ممن يقال لك: إنه يعلم وإن كان علمه تعالى متعلقاً بما ظهر وبطن، ولكن ذكر السميع أوقع في باب التخويف من ذكر العليم فهو أولى بالتقديم. ويمكن أن يقال: إن السمع من وسائل العلم فهو يسبقه.
نماذج من بلاغة القرآن :
1- نقرأ في وصف المنافقين, وفي وصف الكافرين, هاتين الآيتين من سورة البقرة ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾[البقرة:18]﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾[البقرة:171] وتقديم الصم, هنا جاء في غاية الإحكام, لأن بداية ضلال أولئك الأقوام حينما أصاخوا بسمعهم عن آيات الله التي تتلى عليهم .
ونقرأ في مشهد من مشاهد يوم القيامة عن أولئك الذين ضلوا سواء السبيل ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّا﴾[الإسراء:97]لقد تغيرت الصورة هنا. لذلك تغير معها نسق القول, ذلك لأن السماع لم ينفع أولئك الناس يوم القيامة شيئاً ولا يعود عليهم بخير, ثم إن العمى من أشد الأمور مشقة وأكثرها صعوبة عليهم في ذلك اليوم .
2- تحدث القرآن الكريم في آيات كثيرة عن الجن والإنس, ولكن الذي يلفت الانتباه, ما نجده في النظم القرآني البديع, من تقديم الجن تارة, وتقديم الإنس أخرى, وهذا ما يستدعيه السياق, وتوجيه الحكمة البيانية, ففي سياق التحدي بالقرآن الكريم, يقدم الإنس على الجن, لأن الإنس هم المقصودون بالتحدي أولاً وقبل كل شيء, قال تعالى:﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا﴾[الإسراء:88]
أما في سياق التحدي بالنفوذ من أقطار السموات والأرض, فلقد قدم الجن؛ لأنهم أقدر على الحركة من الإنس. قال تعالى:﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾[الرحمن:33] والدليل على أن الجن أقدر من الإنس في مجال الحركة هو قوله تعالى في سورة الجن :﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً* وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾[الجن 8 ـ 9].
أما قوله سبحانه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾[الذاريات:56] فلقد قدم الجن على الإنس؛ لأنه قد روعي السبق الزمني, فإن الجن مخلوقون قبل الإنس.
قلت: والدليل على أن الجن مخلوقون قبل الإنس قوله تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ*وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾[الحجر:26,27]
3 - تقديم لفظ الضرر على النفع وبالعكس: حيث تقدم النفع على الضر فلتقدم ما يتضمن النفع. قال تعالى:﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّه﴾[الأعراف:188] فقدم النفع على الضرر وذلك لأنه تقدمه قوله:﴿ مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[الأعراف:178] فقدم الهداية على الضلال وبعد ذلك قال:﴿ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف:188] فقدم الخير على السوء ولذا قدم النفع على الضرر إذ هو المناسب للسياق.
وقال تعالى:﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً إِلاَّ مَا شَاء اللّه ﴾ [يونس:49] فقدم الضرر على النفع وقد قال قبل هذه الآية :﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾[يونس:11] وقال:﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾[يونس:12] فقدم الضر على النفع في الآيتين. ويأتي بعد هذه الآية قوله:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُون ﴾[يونس:50]فكان المناسب تقديم الضرر على النفع ههنا.
وقال:﴿ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً ﴾[الرعد:16]فقدّم النفع على الضرر، قالوا: وذلك لتقدم قوله تعالى:﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾ [الرعد:15] فقدم الطوع على الكره. وقال:﴿ فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلَا ضَرّا ﴾ [سبأ:42]فقدم النفع على الضر قالوا: وذلك لتقدم قوله:﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين﴾ [سبأ:39] فقدم البسط. وغير ذلك من مواضع هاتين اللفظتين.
منقول للفائدة
- && رهف &&
- ♣ عدد المشاركات : 1121
♣ وطني الغالي : الأردن
♣ مزاجي :
♣ Sms :
♣ تم تقيمي : 993933
♣ تم شكري : 257
رد: التقديم والتأخير في القرآن
الأربعاء يونيو 29, 2011 12:38 am
و 10000000000000000000000000000 عافية
شكرا
شكرا
- أنعم قطة
- ♣ عدد المشاركات : 33585
♣ وطني الغالي : السعودية
♣ مزاجي :
♣ Sms :
♣ تم تقيمي : 1924249
♣ تم شكري : 8079
رد: التقديم والتأخير في القرآن
الجمعة أغسطس 12, 2011 2:57 am
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى