Super Princess ™ - مملكة الأميرات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
بقايا أنسانة
بقايا أنسانة
♣ عدد المشاركات : 10
♣ وطني الغالي : السعودية
♣ مزاجي : تصميم انعم مصممة
♣ Sms : نحبك يا أحلى مملكة
♣ تم تقيمي : 925232
♣ تم شكري : 9

المناهج العقلية الفلسفية وسمو منطق‌ الشهود والعرفان‌ Empty المناهج العقلية الفلسفية وسمو منطق‌ الشهود والعرفان‌

الخميس سبتمبر 08, 2011 7:15 am
مذهب‌ العرفان‌ والشهود أعلي‌ من‌ كل المذاهب‌ :

إن هذا المذهب‌ المبني علي‌ أساس‌ الرؤية‌ القلبية‌ والمشاهدة‌ الوجدانية‌ لا يقول‌ بأن مذهب‌ الحكمة‌ و الفلسفة‌ مذهبٌ باطل‌ ، بل‌ يقول‌ بأن هذا موطن‌ آخر ومقام‌ مختلف‌, آلته الذهن البشري.. وأما العرفان فمقامٌ أعلي‌ وأسمى‌ ‌ يمثل‌ فيه‌ القلب‌ العلوم‌ ووارداته‌ .

إن محل العلوم‌ الحاصلة‌ من‌ الفلسفة‌ هو الذهن‌ ، ومكانه‌ الدماغ‌ . وبإمكان‌ الإنسان‌ معرفة‌ الله‌ عن‌ بعد بواسطة‌ هذا المذهب‌ . فهو مثلاً يريد الوصول‌ إلي‌ حقيقة‌ الشمس‌ وهو جالس‌ علي‌ الأرض ، ويري‌ الأمواج الحاصلة‌ فيها . نعم‌ ، إنّه‌ يري‌ لكنه‌ يفعل‌ ذلك‌ وهو في‌ حالة‌ الغفلة‌ والبعد ؛ وفي‌ حالة‌ الأثر والصورة لا في‌ حالة‌ الواقع‌ والحقيقة‌ .

قال المولى سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [1]

إن البحث‌ والدعوة‌ بالحكمة‌ معناه‌ البحث‌ علي‌ أساس‌ من‌ الحقائق‌ والواقعيات‌, والمجادلة‌ بالتي‌ هي‌ أحسن‌ تعني‌ ترتيب‌ القياسات‌ المنطقية‌ الصحيحة‌ واستخدام‌ البرهان‌ الفلسفي ، وطرح‌ الاعتبارات والمغالطات‌ وطريقة‌ الخطابة‌ وما إلي‌ ذلك‌. ولا جرم‌ أن مذهب‌ ومنهج‌ الرسول‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وأمير المؤمنين‌ وباقي‌ الأئمة صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌ هو مذهب‌ برهانيّ عقليّ قويّ ، وهو مضافاً إلي‌ ذلك‌ منهاج‌ فلسفيّ عجيب‌ و غريب‌ . إنّ مَن‌ يُلقي‌ نظرة‌ علي‌ تلكم‌ الطريقة‌ ويتعرّف‌ علي‌ ذلك‌ النهج‌ يستنتج‌ في‌ الحال‌ أنّ بحوثهم‌ ومجادلتهم‌ مع‌ مناوئيهم‌ وخصومهم‌ كانت‌ كلّها تستند علي‌ أساس‌ المقدّمات‌ الفلسفيّة‌, وكانوا يُفحمون‌ المقابل‌ باستخدام‌ القوى‌ العقلية‌ والفكريّة‌ ، فكان‌ الخصم‌ يُغلَب‌ لا محالة‌ وهو كظيم‌ .

وللإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ رئيس‌ المذهب‌ الجعفري ومؤسسه‌ ، تلاميذ كان‌ يقوم‌ بتدريبهم‌ وتربيتهم‌ علي‌ المجادلة‌ والمناقشة‌ علي‌ أساس‌ المنطق‌ و استخدام‌ الصحيح‌ من‌ الصغرى‌ والكبرى‌ عند العمل‌ بالقياس‌ في‌ مقابل‌ الكفّار والمعاندين‌ والماديين‌ وحتى المخالفين‌ من‌ العامّة‌ .

وهشام‌ بن‌ الحكم‌ كان‌ أحد العارفين‌ بالمذاهب‌ والفلسفة‌ . لكنا نراه‌ منقاداً وخاضعاً في‌ مقابل‌ الإمام‌ الصادق‌ ومطيعاً له‌ ، وكان‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌ بالمقابل‌ يقوم‌ بتعزيز وتشييد أسسه‌ وتقوية‌ مقدرته‌ بنفس‌ البرهان‌ المنطقي‌ّ ذاك‌ .

وكذا كانت‌ مباحثات‌ ومناقشات‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ مع‌ العلماء غير المسلمين‌ ، ومع‌ المسلمين‌ العاميّي‌ المسلك‌ علي‌ السواء ، كلّها تستند إلي‌ البرهان‌ والعقل‌ ؛ ولم‌ يكن‌ يقول‌ لهم‌ : إنّ قلبك‌ يؤمن‌ بوجود الله‌ ، فلا حاجة‌ إلي‌ البحث‌ في‌ ذلك‌ معك‌ !

هل‌ سمع‌ أحدكم‌ أو قرأ أنّ نبيّاً أو إماماً أحال‌ المشركين‌ أو علماءهم‌ إلي‌ العلم‌ الوجدانيّ والشهودي قائلاً لهم‌ : بما أ نّني‌ أعلَمُ أنّ الله‌ موجود وإنّني‌ نبيّه‌ ورسوله‌ ، فعليك‌ أنت‌ كذلك‌ أن‌ تؤمن‌ بذلك‌ وتقبله‌ … ! هذا يسمّي‌ تحكيماً ؛ والتحكيم‌ مردود ومرفوض‌ في‌ أيّ مذهب‌ ومدرسة‌ لاهوتيّة‌ ، بل‌ حتى بين‌ الشعوب‌ المتوحّشة‌ . في‌ حين‌ نري‌ أنّ أيّ أمر أو مسألة‌ تكون‌ مقبولة‌ وصحيحة‌ إذا كانت‌ ناتجة‌ عن‌ البرهان‌ والمنطق‌ .

لقد كانت‌ سلسلة‌ الدروس‌ التي‌ كان‌ يُلقيها الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ خلال‌ فترة‌ ثلاثين‌ سنة‌ من‌ نشرٍ للعلوم‌ ودرس‌ وتعليم‌ وتربية‌ في‌ مدينة‌ رسول‌ الله‌ في‌ بستانه‌ الخاصّ تستند كلّها إلي‌ البراهين‌ المنطقيّة‌ والأدلة العقليّة‌ والمسلّمات‌ ومسائل‌ الحكمة‌ التوحيديّة‌, مما حدا مثلاً بابن‌ أبي‌ العوجاء ، وهو أحد المؤمنين‌ بالمذهب‌ المادّيّ والطبيعي‌ّ ، إلي‌ القول‌ : (إنّي‌ لا أملك‌ إلاّ أن‌ أكون‌ خاضعاً خاشعاً في‌ دروس‌ هذا الرجل‌ ، ولا أستطيع‌ التكلّم‌ ببنت‌ شفة‌ وأنا أستمعُ دروسه‌ ، وأراني‌ عاجزاً عن‌ التقدّم‌ في‌ حُجّتي‌ ومجادلتي‌ خطوة‌ واحدة‌ . فلو كان‌ للإنسان‌ وجود لانحصر في‌ هذا الرجل‌ ؛ ولكان‌ جميع‌ مَن‌ سواه‌ في‌ عداد الانعام‌)!

وبالطبع‌ فإنّ وجود مثل‌ هذا المذهب‌ لازم‌ وضروري‌ّ ؛ والمطلوب‌ من‌ جميع‌ علماء الإسلام‌ التسلّح‌ بهذا البرهان‌ القويّ والمنطق‌ الحقّ والحكمة‌ الإلهيّة‌ والفلسفة‌ المتعالية وأن‌ يبرعوا في‌ استخدام‌ كلّ ذلك‌ ، حتى يتسنى لهم‌ الإجابة‌ علي‌ شبهات‌ الملحدين‌ والضالين والماديين‌ والسوفسطائيّين‌ في‌ عصرنا الحاضر ، ويثبتوا في‌ مقابل‌ الفِرَق‌ الأخرى ويصمدوا في‌ وجوهها .

لكنّ الأمر هنا يتعلّق‌ بمسألة‌ مهمّة‌ ، وهي‌ : هل‌ يكون‌ هذا المذهب‌ أو المنهج‌ كافٍ ووافٍ أم‌ لا ؟! هل‌ بإمكان‌ الإنسان‌ أن‌ يُؤنس‌ قلبه‌ ويُبهج‌ فؤاده‌ بذكر الله‌ وأنسه‌ والتعرّف‌ علي‌ أسمائه‌ وصفاته‌ ويتلمّسها عن‌ قُرب‌ ؟!

هل‌ تَعلّم‌ الفلسفة‌ وحدها يُطمئن‌ القلوب‌ ويُهدّئها ؟! هل‌ بإمكان‌ العلوم‌ العقليّة‌ والتفكيرية تَهدِئَة‌ النفس‌ ومنحها الخضوع‌ والخشوع‌ الوجدانيّينِ أمام‌ الحقّ والحقانيات والواقعيّات‌ وعالَم‌ الخَلق‌ وصرح‌ الأصالة البهي‌ّ ، دون‌ الاستعانة‌ بالفيوضات‌ القلبيّة‌ الربّانيّة‌ ، أم‌ لا ؟! ولا شكّ في‌ أنّ الإنسان‌ ما كان‌ ليؤدّي‌ العبادة‌ لله‌ لولا كونه‌ في‌ مقام‌ العبوديّة‌ .

إذن‌ ، هل‌ يكفي‌ أن‌ يكون‌ الإنسان‌ قد توصّل‌ إلي‌ إثبات‌ وجود الله‌ تعالى بالمذهب‌ الفلسفي‌ّ والبرهان‌ ، وإن‌ كان‌ فاسقاً فاجراً يُعاقر الخمر ويتعاطى‌ القمار والميسر ؟!

لقد كان‌ كثير من‌ العلماء الإنجليز موحّدين‌ ، يعبدون‌ الله‌ تعالى ؛ فداروين‌ كان‌ ممن‌ يعبدون‌ الله‌ ومن‌ المؤمنين‌ بالمسيح‌ علي‌ نبيّنا وآله‌ وعليه‌ السلام‌ ؛ وفلاماريون‌ العالِم‌ الفرنسي‌ّ كذلك‌ كان‌ من‌ أهل‌ الكتاب‌ ، وممّن‌ أ لّف‌ كتاباً أسماه‌ (الله‌ في‌ الطبيعة‌) حيث‌ يقوم‌ بإثبات‌ وجود الله‌ علي‌ أساس‌ خمسة‌ أدلّة‌ من‌ الأصول المُسلّمة‌ للعلوم‌ المادية‌ ؛ فهل‌ يكون‌ هذا النوع‌ من‌ النهج‌ والاعتقاد وهذا النمط‌ من‌ الإثبات‌ كافٍ أم‌ لا ؟!

هل‌ بإمكان‌ المناهج‌ المذكورة‌ والطرق‌ المُبيّنة‌ أعلاه‌ إظهار الله‌ عبرَ المرحلة‌ العينيّة‌ أم‌ لا؟! هل‌ باستطاعتها إبداء الحقّ تعالى شأنه‌ كما هو مطلوب‌ منها أن‌ تبديه‌ ، ثمّ بالتالي إيجاد علاقة‌ بين‌ الإنسان‌ وحضرة‌ جلاله‌ ، أم‌ هي‌ عاجزة‌ عن‌ ذلك‌ كلّه‌ ؟!

ومهما يكن‌ من‌ أمر ، فإنّ المسألة‌ هنا ، كما قلنا ، تتعلّق‌ بالسؤال‌ التالي : هل‌ يكون‌ هذا المذهب‌ أو المنهج‌ كافٍ ووافٍ أم‌ لا ؟!

إنّ المذهب‌ الذي‌ سلكه‌ الأنبياء والأولياء والأئمّة‌ عليهم‌ السلام‌ مذهب‌ تفوق‌ مرتبته‌ هذه‌ المرتبة‌ وترقي‌ عليها ، والأكثر انسجاماً واطمئناناً ؛ ألا وهو مذهب‌ الشهود .

إنّ ذلك‌ النمط‌ من‌ السير والتحرّك‌ نحو معرفة‌ الحقّ تعالى ينطق‌ قائلاً : إنّ هناك‌ حاسّةً أُخرى‌ أرقى من‌ أذهاننا وأسمي‌ من‌ القوى‌ المفكّرة‌ لأي إنسان‌ مُفكِّر ؛ أنا شخصيّاً لا أعلم‌ ما تُسمّونها ؛ ربّما الحاسّة‌ السادسة‌ أو غير ذلك‌ ! ما أُريد قوله‌ ، هو أ نّه‌ توجد حاسّة‌ أُخرى‌ في‌ الإنسان‌ هي‌ الوجدان‌ ، ويدعونه‌ بالقلب‌ والفؤاد أو الضمير . قولوا عنه‌ ما شئتم‌؛ علي‌ الإنسان‌ أن‌ يدرك‌ الله‌ بتلك‌ الحاسّة‌ [2] .

توجد هذه‌ الحاسّة‌ في‌ جميع‌ أفراد البشر وهي‌ حاسّة‌ قويّة‌ وفعّالة‌ جداً, لكن الابتلاء بالماديات‌ والجري‌ وراء الآمال‌ الخسيسة‌ والدنيئة‌ والبهيميّة‌ والشيطانيّة‌ ، والغوص‌ في‌ الخيالات‌ والاهتمام‌ بأوهام‌ عالَم‌ الاعتبار والكثرات‌ ، كلّ تلك‌ أضحت‌ حُجُباً غَطّت‌ تلك‌ الحاسّة‌ بالكامل‌ ، وأدّت‌ إلي‌ إضعافها وخنقها .

وهنا يكمن‌ السبب‌ في‌ عجز الإنسان‌ عن‌ الاستفادة‌ من‌ تلك‌ الحاسّة‌ ؛ فلو سلك‌ طريق‌ العبوديّة‌ الحقة‌ فإن وصوله‌ به‌ سيكون‌ سهلاً يسيراً .

إن أي نبي بُعث كان‌ يقول‌ : أيُّها الناس‌ ! اتَّقُوا اللَهَ وَأَطِيعُونِ . وقد وردت‌ هذه‌ العبارة‌ علي‌ لسان‌ عدّة‌ من‌ الأنبياء في‌ سورة‌ الشعراء حيث‌ كان‌ كلّ واحد منهم‌ يقول‌ : فَاتَّقُوا اللَهَ وَأَطِيعُونِ .

أي‌ : افعلوا كلّ ما آمُركم‌ به‌ ، وانتهوا عن‌ كلّ فعلٍ أنهاكم‌ عنه‌ ، حتى يتولاكم الله‌ برحمته‌ ويغفر لكم‌ خطاياكم‌ ! أقيموا الصلاة‌ ! آتوا الزكاة‌ ! صوموا ! آمروا بالمعروف‌ وانهوا عن‌ المنكر ! اثبتوا في‌ البأساء والضرّاء ! حِجّوا بيت‌ الله‌ الحرام‌ ! جاهدوا ! افعلوا كذا وكذا ! قوموا في‌ ليالي الشتاء القارص‌ وأدّوا النوافل‌ ! صوموا صياماً مستحبّاً في‌ أيّام‌ الصيف‌ القائظ‌ !

هذا هو الطريق‌ ! طريق‌ الجهاد مع‌ النفس‌ ! طريق‌ اكتساب‌ مرضاة‌ الله‌ تعالى ومحاربة‌ النفس‌ البهيميّة‌ السبُعيّة‌ الإبليسيّة‌ ؛ حتى يسترقّ حجاب‌ الوجدان‌ شيئاً فشيئاً ، ذلك‌ الحجاب‌ الذي‌ أدى‌ بتلك‌ الحاسّة‌ إلي‌ الانزواء والاختفاء . فإذا استرق الحجاب‌ سيُضي‌ء ما قد كان‌ أودعه‌ الله‌ في‌ القلب‌ ، وسيشعّ النور الوضّاء في‌ القلب‌ ومصباح‌ الباطن‌ .

ألم‌ يكن‌ إبراهيم‌ خليل‌ الله‌ وموسى كليم‌ الله‌ وعيسى‌ روح‌ الله‌ ومحمد حبيب‌ الله‌ عليهم‌ الصلاة‌ والسلام‌ بشراً ؟! لقد استفادوا من‌ ذلك‌ السراج‌ وأزاحوا عنه‌ كلّ الحُجُب‌ حتى أضاء نورهم‌ الباطن‌ مُغشياً كلّ العالَم‌ بشعاعه‌.. وكان‌ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ قد قال‌ في‌ صغره‌ وحداثة‌ سنّه‌ :

{إِنِّي‌ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي‌ فَطَرَ السَّمَـاوَ تِ وَالاْرْضَ حَنِيفًا وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَآجَّهُ و قَوْمُهُ و قَالَ أَتُحَـاجُّو´نِّي‌ فِي‌ اللَهِ وَقَدْ هَدَانِ ولآ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن‌ يَشَآءَ رَبِّي‌ شَيْـًا وَسِعَ رَبِّي‌ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم‌ بِاللَهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عليكُمْ سُلْطَـانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالاْمْنِ إِن‌ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُو´ا إِيمَـانَهُم‌ بِظُلْمٍ أُولَائِكَ لَهُمُ الاْمْنُ وَهُم‌ مُّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـاهَآ إِبْرَ هِيمَ علي قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَـاتٍ مَّن‌ نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ علامٌ} [3].

واعلم‌ أنّ مُحاجّة‌ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ هذه‌ لقومه‌ ومجادلتهم‌ له‌ وجوابه‌ المنطقي علي‌ ذلك‌ قد حدثت‌ بعد أن‌ ألزمهم‌ الحجّة‌ بتقريب‌ قياس‌ البرهان‌ وتعيين‌ صغرى‌ الفلسفية‌ وكبراها كما تدلّ علي‌ ذلك‌ الآيات‌ السابقة‌ للآيات‌ الآنفة الذكر :

{فَلَمَّا جَنَّ عليهِ إلَيلُ رَءَا كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي‌ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الاْفِلِينَ * فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي‌ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن‌ لَّمْ يَهْدِنِي‌ رَبِّي‌ لاَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّإلينَ * فَلَمَّا رَءَا الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي‌ هَذَا´ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي‌ بَرِي‌ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [4] .

نلاحظ‌ في‌ الآيات‌ أعلاه‌ مسألة‌ إثبات‌ ربوبية الكوكب‌ والقمر والشمـس‌ أولاً بالقياس‌ الصغروي والكبروي علي‌ النمـط‌ التالي : هذا كوكب‌ مُضي‌ء هو ربّ ؛ ونتيجة‌ ذلك‌ : هذا الكوكب‌ المضي‌ء هو ربّي‌!

وهذا قمر منير ، وكلّ قمر منير هو ربّ ؛ ونتيجة‌ ذلك‌ : هذا القمر المنير هو ربّي‌!

وهذه‌ شمس‌ مشرقة‌ لأنها أكبر ، وكلّ شمس‌ مشرقة‌ كبيرة‌ هي‌ ربّ؛ ونتيجة‌ ذلك‌: هذه‌ الشمس‌ المشرقة‌ الأكبر هي‌ ربّي‌!

ولكن‌ لكون‌ أمر كبرى‌ هذه‌ المسائل‌ إمّا أن‌ يعود إلي‌ نظرته‌ البدائيّة‌ أو من‌ وجهة‌ نظر قومه‌؛ وهذا مرجعه‌ استحقاق‌ كوكب‌ السماء ما للإضاءة‌ والإشراق‌ والتألق‌ علي‌ الإطلاق‌ وإن‌ صاحبَ ذلك‌ أفول‌ وغروب‌ ، وفي‌ هذه‌ الحال‌ فهي‌ لا تستحقّ صفة‌ الربوبيّة‌ ، لذا نراه‌ يقوم‌ بتصحيح‌ ذلك‌ ثانية‌ ، حيث‌ قال‌ : إنّ ربّاً يأفل‌ ويغرب‌ لا يستحقّ الربوبيّة‌ !

وعلي‌ هذا الترتيب‌ : فإنّ هذا الكوكب‌ قد أفل‌ ، وكلّ كوكب‌ يأفل‌ ويغرب‌ لا يستحقّ الربوبيّة‌؛ ونتيجة‌ ذلك‌: أنّ هذا الكوكب‌ الآفل‌ لا يستحقّ الربوبيّة‌ .

وهذا القمر المنير قد أفل‌ ، وكلّ قمر منير آفل‌ لا يستحقّ الربوبيّة‌ ؛ ونتيجة‌ ذلك‌ : أنّ هذا القمر المنير الآفل‌ لا يستحقّ الربوبيّة‌ .

وهذه‌ الشمس‌ المشرقة‌ الأكبر قد أفلَتْ ، وكلّ شمس‌ مشرقة‌ أكبر تأفل‌ لا تستحقّ الربوبيّة‌؛ ونتيجة‌ ذلك‌ ؛ هذه‌ الشمس‌ المشرقة‌ الأكبر الآفلة‌ لا تستحقّ الربوبيّة‌ .

ويتّضح‌ هنا أ نّه‌ يُشير إلي‌ بطلان‌ كلّيّة‌ الكبرى‌ في‌ المحاجّة‌ الأولى في‌ الاستدلال‌ الثاني‌ . أي‌ أ نّه‌ لمّا كان‌ البرهان‌ الأول مستنداً علي‌ أصل‌ الكلّيّة‌ القابلة‌ لربوبيّة‌ الكواكب‌ السماويّة‌ ، وهذه‌ الكبرى ليست‌ صحيحة‌ بالطبع‌ ، لذا رأينا غلط‌ نتيجة‌ البرهان‌ ، لأننا استخدمنا فيه‌ كبرى‌ غير صحيحة‌ .

وأُشير في‌ الاستدلال‌ الثاني‌ إلي‌ أ نّه‌ لا يجب‌ علي‌ الربّ الأفول ، فالنورانيّة‌ ليست‌ الشرط‌ الوحيد في‌ الربوبيّة‌ ؛ بل‌ يلزم‌ دوام‌ تلك‌ النورانيّة‌ واستمرارها . لذا فإنّ الإله‌ الذي‌ إمّا أن‌ يكون‌ شرقيّاً أو غربيّاً أو شمإلياً أو جنوبيّاً لا تليق‌ به‌ الربوبيّة‌ ؛ لا نّه‌ في‌ هذه‌ الحالة‌ سيكون‌ هو نفسه‌ محتاجاً ومعوزاً ، وفقيراً وضعيفاً ومقهوراً وخانعاً .

علي‌ الربّ أن‌ يكون‌ لم‌ يزلياً ولا يزالياً ، لا شرقيّاً ولا غربيّاً ، بلا زمانٍ قبليّ أو بَعدي‌ّ. وقد انطوى‌ استدلاله‌ الحقّ في‌ القياس‌ المنطقي‌ّ البرهاني‌ّ علي‌ كلّ تلك‌ الكبريات‌ .

ولهذا نراه‌ قام‌ بعد هذا الاستدلال‌ مباشرة‌.. كما طالعنا ذلك‌ آنفاً بمخاطبة‌ قومه‌ قائلاً:

{إِنِّي‌ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي‌ فَطَرَ السَّمَـ’وَ تِ وَالاْرْضَ حَنِيفًا وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}

أي‌ أ نّني‌ قُمتُ باتّخاذ ربّ لي‌ لا يملك‌ أيّ بُعد من‌ أبعاد الزمان‌ أو المكان‌ ولا الكيف‌ أو الكمّ ولا الحَدّ أو العَدّ ولا القَيْد أو الحَصر أو القياس‌. وهو خالق‌ الجهات‌ والأبعاد والنور والظُّلمة‌ والشروق‌ والأفول . وها أنا ذا أصدُّ بقلبي‌ عن‌ كلّ أنواع‌ الأهواء التي‌ من‌ شأنها تحديده‌ وتقييده‌ والتي‌ تؤدي‌ إلي‌ ضعفه‌ وفتوره‌ وانحلاله‌ في‌ حرم‌ قدسه‌ ، وأتوجّه‌ إلي‌ هذا الربّ المحيط‌ والمجرّد والنورانيّ المطلق‌ وهو المُشعّ للنور!

إنّ النقطة‌ المهمّة‌ والأساسية وذات‌ الشأن‌ العالي التي‌ نجدها في‌ الآية‌ الشريفة‌ هي‌ : في‌ البدء أحكمَ الله‌ سبحانه‌ قلب‌ إبراهيم‌ عليه‌ السلام‌ بنور إليقين‌ الحاصل‌ من‌ مشاهدة‌ ملكوت‌ السماوات‌ والأرض ، ثمّ أرسله‌ إلي‌ قومه‌ بمهمّة‌ خاصّة‌ وهي‌ إظهار وإيفاء مسألة‌ السير نحو سبيل‌ التوحيد وعن‌ طريق‌ البرهان‌ الفلسفيّ والقياس‌ المنطقيّ ؛ ذلك‌ أنّ نور إليقين‌ الحاصل‌ في‌ القلب‌ أقوى‌ وأشدّ وأسمى‌ بكثير من‌ استخدام‌ القوى‌ التفكيريّة‌ والتفكّر والتعقّل‌ الفلسفيّ الداخلة‌ إلي‌ الدماغ‌ والذهن‌ والفكر والخيال‌ . ولم‌ نشهد إبراهيم‌ يَفُز بمهمّة‌ مقارعة‌ قومه‌ بالاستدلال‌ والمنطق‌ إلاّ بعد أن‌ تسلّح‌ بالسلاح‌ والحربة‌ الإلهيّتَيْنِ الملكوتيّتَينِ السبحانيّتَينِ .

ويمكن‌ استنباط‌ ذلك‌ من‌ الآيات‌ الشريفة‌ التي‌ سبقت‌ الآيات‌ الشريفة‌ الأخيرة ، حيث‌ قال‌ : {وَكَذَ لِكَ نُرِي‌ إِبْرَ هِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَتِ وَالاْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [5].

ومحصّل‌ الكلام‌ أنّ علي‌ الإنسان‌ أن‌ يخطو بخطوات‌ ثابتة‌ وعزم‌ راسخ‌ وإرادة‌ متينة‌ في‌ طريق‌ المجاهدة‌ واجتياز البهرجة‌ والزخارف‌ الدنيويّة‌ المغرية‌ والخدّاعة‌ ، وينأى‌ بنفسه‌ عن‌ جميع‌ هذه‌ التعيّنات‌ والأهواء الشيطانيّة‌ الماكرة‌ والأنانية المضيِّعة‌ لعمره‌ ، وأن‌ يستند إلي‌ العمل‌ ويترك‌ القول‌ . وكذلك‌ أن‌ يجتاز ( لِمَ ) و ( بِمَ ) و ( لَعَلَّ ) ، وهجر الدعاوى الباطلة‌ والتجمّعات‌ التي‌ تنعقد تحت‌ اسم‌ مجالس‌ العرفان‌ وذكر الحقّ ، وأن‌ يصل‌ بنفسه‌ إلي‌ حقيقة‌ العرفان‌ وواقعيّة‌ اسم‌ الحقّ تعالى.. علي‌ الإنسان‌ أن‌ يخطو إلي‌ الأمام خطوة‌ فخطوة‌ ؛ أن‌ يحجّ ويصلّي‌ ويؤدّي‌ باقي‌ أقسام‌ العبادات‌ بحذافيرها . أن‌ يحيي‌ الليالي ويقوم‌ الفجر ، ويقضي‌ حوائج‌ الناس‌ ما استطاع‌ إلي‌ ذلك‌ سبيلاً . وأن‌ يهتمّ بالمصلحة‌ العامّة‌ علي‌ حساب‌ نفسه‌ ، وأن‌ لا يرمي‌ بنفسه‌ إلي‌ التهلكة‌ ويضرّ نفسه‌ مادّيّاً ومعنويّاً من‌ أجل‌ إيصال‌ المنفعة‌ والخير إلي‌ الآخرين‌ .

هذا هو مذهب‌ الأنبياء ! وهذا هو سبيل‌ وسلوك‌ الأنبياء ! وهذا هو المنهج‌ والطريق‌ إلي‌ لقاء الله‌ ! هذا هو مذهب‌ العرفان‌ الذي‌ ليس‌ من‌ شأنه‌ إبطال‌ مذهب‌ البرهان‌ ؛ وهو القائل‌ : إنّ ذلك‌ المذهب‌ لا يكفي‌ لبلوغ‌ الإنسان‌ الحياة‌ الخالدة‌ .

فذاك‌ صحيح‌ في‌ محلّه‌ ، وهذا صحيح‌ ولازم‌ في‌ محلّه‌ كذلك‌ ، والإنسان‌ بدون‌ ذلك‌ سيظلّ جائعاً وعطشاناً. إنّ النفحات‌ الربّانيّة‌ التي‌ يجب‌ أن‌ تهبّ علي‌ القلب‌ وتنعشه‌ وترضيه‌ هي‌ الطعام‌ الهني‌ء والشراب‌ السائغ‌ الذي‌ يحتاج‌ إليه‌ القلب‌ .

إنّ مذهب‌ الفلسفة‌ والبرهان‌ هو بمثابة‌ رمح‌ تقابل‌ به‌ العدوّ ؛ فما الذي‌ تحمله‌ لأجلك أنت‌ ؟! إذا أردت‌ أن‌ تهنأ بطعامك‌ وشرابك‌ فعليك‌ أن‌ تحمل‌ سيفاً لتتمكّن‌ من‌ الدفاع‌ عن‌ نفسك‌ في‌ مقابل‌ العدوّ أو حيوان‌ مفترس‌ ! وأمّا الرمح‌ فهو لا يُسمن‌ من‌ جوع‌ ولا يؤمن‌ من‌ خوف‌ !

ولو أمسك‌ امرؤٌ بيده‌ سكّينةً لما شبع‌ ، وعليه‌ أن‌ يتناول‌ الأطعمة المطبوخة‌ والأشربة المأنوسة‌ ليشبع‌ ويرتوي‌ ، وعليه‌ في‌ نفس‌ الوقت‌ أن‌ يمتلك‌ حربةً يستفيد منها عند الضرورة‌.

فلو اشتغل‌ ألف‌ سنة‌ في‌ مذهب‌ البرهان‌ واكتفي‌ بمطالعة‌ كتب‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ واقتنع‌ بمجرّد الاطّلاع‌ علي‌ أفكار الإلهيّين‌ في‌ العالم‌ فلن‌ يصل‌ إلي‌ غايته‌ المنشودة‌ .

ولن‌ يهدأ قلب‌ الإنسان‌ أو يطمئنّ فؤاده‌ حتى يتمّ له‌ لقاء الله‌ ؛ لانّ الطمأنينة‌ والسكينة‌ تتلخّصان‌ في‌ ذكر الله‌ وعدم‌ الغفلة‌ عنه‌ ، ورؤية‌ الجمال‌ السرمديّ والنور الأحدي بعين‌ القلب‌ {أَلاَ بِذِكْرِ اللَهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [6]

والشيء الثاني الذي لا يقل أهمية عما ذكرنا آنفا هو: أنه لدينا الكثير من‌ الروايات‌ التي‌ تأمرنا أن‌ نبحث‌ عن‌ العِلم‌ ونطلبه‌ حثيثين‌ ولو كان‌ مُرادنا في‌ الصين‌، وأخذ الحكمة‌ ولو كانت‌ في‌ يد المخالف‌ والمنافق‌ وحتى الكافر . وعلي‌ هذا لا يجب‌ أن‌ يصبح‌ خِلاف‌ المخالف‌ ولا نفاق‌ المنافق‌ ولا كفر الكافر مانعاً لنا من‌ طلب‌ الحكمة‌ والعِلم‌ وإفناء أنفسنا في‌ غَيابة‌ الجهل‌ والأمّية‌ .

ما أروع‌ الحديث‌ التالي الذي‌ يأمرنا بطلب‌ العِلم‌ في‌ أحلك‌ الظروف‌ وأقسى الحالات‌ : (اطْلُبُوا العِلْمَ وَلَوْ بِخَوْضِ اللُجَجِ وَسَفْكِ المُهَجِ)!

وما أبلغَ الحديث‌ النبوي‌ّ الشريف‌ التالي الذي‌ يصف‌ فيه‌ سعة‌ نطاق‌ التعليم‌ عند المُعلِّم‌ الحريص‌ والمجرِّب‌ : (الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ أَيْنَمَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا).

وجاء في‌ ( مستدرك‌ نهج‌ البلاغة‌ ) : قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلاَمُ : (الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.. وَالمَروي‌ُّ في‌ النَّهْجِ: (لحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ فَخُذِ الحِكْمَةَ وَلَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ)! وفي‌ تُحَفِ العُقولِ : (فَلْيَطْلُبْهَا وَلَوْ فِي‌ أَيدِي‌ أَهْلِ الشَّرِّ)

وقال‌ : (الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ ؛ فَاطْلُبُوهَا وَلَوْ عِنْدَ المُشْرِكِ ، تَكُونُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا) !

وقال‌ عليه‌ السلام‌ أيضاً : خُذِ الحِكْمَةَ أَ نَّي‌ كَانَتْ ! فَإنَّ الحِكْمَةَ فِي‌ صَدْرِ المُنَافِقِ ، فَتَلَجْلَجُ فِي‌ صَدْرِهِ حتى تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إلَي‌ صَوَاحِبِهَا فِي‌ صَدْرِ المُؤْمِنِ)!.

وروى‌ العلاّمة‌ المجلسي رضوان‌ الله‌ عليه‌ من‌ ضمن‌ وصايا لقمان‌ لولده‌ يحثّه‌ فيها علي‌ تعلّم‌ الحكمة‌ ما يلي‌ :

(يَا بُنَي‌َّ ! تَعَلَّمِ الحِكْمَةَ تَشَرَّفْ ؛ فَإنَّ الحِكْمَةَ تَدُلُّ عَلَي‌ الدِّينِ ، وَتُشَرِّفُ العَبْدَ عَلَي‌ الحُرِّ ، وَتَرْفَعُ المِسْكِينَ عَلَي‌ الغَنِي‌ِّ ، وَتُقَدِّمُ الصَّغِيرَ عَلَي‌ الكَبِيرِ ، وَتُجْلِسُ المِسْكِينَ مَجَالِسَ المُلُوكِ ، وَتَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفاً ، وَالسَّيَّدَ سُؤدَداً ، وَالغَنِي‌َّ مَجْداً!..

وَكَيْفَ يَظُنُّ ابْنُ آدَمَ أَنْ يَتَهَيَّأَ لَهُ أَمْرُ دِينِهِ وَمَعِيشَتِهِ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ ؛ وَلَنْ يُهَيِّأ‌َ اللَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمْرَ الدُّنْيَا وَا لآخِرَةِ إلاَّ بِالحِكْمَةِ .

وَمَثَلُ الحِكْمَةِ بِغَيْرِ طَاعَةٍ ، مَثَلُ الجَسَدِ بِلاَ نَفْسٍ ، أَوْ مَثَلُ الصَّعِيدِ بِلاَ مَاءٍ .

وَلاَ صَلاَحَ لِلْجَسَدِ بِغَيْرِ نَفْسٍ ، وَلاَ لِلصَّعِيدِ بِغَيرِ مَاءٍ ، وَلاَ لِلْحِكْمَةِ بِغَيْرِ طَاعَةٍ).

قال‌ المرحوم‌ المحدّث‌ الحاجّ الشيخ‌ عبّاس‌ ألقمي رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌ كتابه‌ النفيس‌ والقيّم‌ (سفينة‌ البحار) بعد ذِكر وصيّة‌ لقمان‌ أعلاه‌ عن‌ (بحار الانوار) وجاء في‌ كتاب‌ ( نُزهة‌ النَّاظر ) من‌ مصنّفات‌ أبي‌ يَعلي‌ الجعفري‌ّ خليفة‌ الشيخ‌ المفيد :

(قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : كَلِمَةُ حِكْمَةٍ يَسْمَعُهَا المُؤْمِنُ فَيَعْمَلُ بِهَا خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ) .

وروي‌ في‌ كتاب‌ (مُنية‌ المريد) عن‌ الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أ نّه‌ قال‌ : (قَامَ عِيسَي‌ ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيهِمَا السَّلاَمُ خَطِيباً فِي‌ بَنِي‌ إسْرَائِيلَ فَقَالَ :

يَا بَنِي‌ إسْرَائِيلَ ! لاَ تُحَدِّثُوا الجُهَّالَ بِالحِكْمَةِ فَتَظْلِمُوهَا ؛ وَلاَ تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ!

فَأَقُولُ عَلَي‌ طِبْقِ مَا قَالَ عَلَيهِ السَّلاَمُ : إيَّاكَ وَأَنْ تَعْرِجَ مَعَ الجَاهِلِ عَلَي‌ بَثِّ الحِكْمَةِ ، وَأَنْ تَذْكُرَ لَهُ شَيْئاً مِنَ الحَقَائِقِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ لَهُ قَلْباً طَاهِراً لاَ تَعَافُهُ الحِكْمَةُ ؛ فَقَدْ قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلاَمُ : لاَ تُعَلِّقُوا الجَوَاهِرَ فِي‌ أَعْنَاقِ الخَنَازِيرِ !

وَلَقَدْ أَجَادَ مَنْ قَالَ : إنَّ لِكُلِّ تُرْبَةٍ غَرْساً ، وَلِكُلِّ بِنَاءٍ أُسَّاً . وَمَا كُلُّ رَأْسٍ يَسْتَحِقُّ التِّيجَانَ ، وَلاَ كُلُّ طَبِيعَةٍ تَسْتَحِقُّ إفَادَةَ البَيَانِ.

وَقَالَ العَالِمُ عَلَيهِ السَّلاَمُ : لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ . فَإنْ كَانَ وَلاَبُدَّ فَاقْتَصِرْ مَعَهُ عَلَي‌ مِقْدَارٍ يَبْلُغُهُ فَهْمُهُ وَيَسَعُهُ ذِهْنُهُ !

فَقَدْ قِيلَ : كَمَا أَنَّ لُبَّ الثِّمَارِ مُعَدٌّ لِلاَنَامِ فَالتِّبْنُ مُتَاحٌ لِلاَنْعَامِ ، فَلُبُّ الحِكْمَةِ مُعَدٌّ لِذَوِي‌ الاَلْبَابِ وَقُشُورُهَا مَجْعُولَةٌ لِلاَغْنَامِ).
اميرة ديزني
اميرة ديزني
♣ عدد المشاركات : 1629
♣ وطني الغالي : الجزائر
♣ مزاجي : تصميم انعم مصممة
♣ Sms : نحبك يا أحلى مملكة
♣ تم تقيمي : 942387
♣ تم شكري : 495

المناهج العقلية الفلسفية وسمو منطق‌ الشهود والعرفان‌ Empty رد: المناهج العقلية الفلسفية وسمو منطق‌ الشهود والعرفان‌

الخميس سبتمبر 08, 2011 12:21 pm
لكي جزيل الشكر على المعلالقيمة و التي لا يستهان بها
ننتظر جديد ابداعاتك...
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى